Views: 85 في المنافي يموت مرتاحاً من تذوقه .. خبز بارد. – الرقة بوست-Raqqa Post

في المنافي يموت مرتاحاً من تذوقه .. خبز بارد.

عروة المهاوش – الرقة بوست
أربعة أرغفة حصلت عليها بعد أقل من ثلاث سنوات على مغادرتي سوريا، حين وضعنا العشاء كنت قد فكرت أن أسمح لعائلتي بمشاركتي أرغفة الخبز السورية، لكن منظر رغيف الخبز ورائحته كانت كافية لتجعلني أعيد التفكير مرات عديدة، قبل أن أسمح لأحد أفراد عائلتي مشاركتي برغيف خبز واحد، فأنا هنا منذ سنوات وهم كانوا في الوطن ولم يمضِ على وجودهم معي شهوراً قليلة، فمن حقي إذاً أن آكل الخبز وحدي، فهم ما زال طعم الخبز السوري بين أسنانهم، وأنا كانت تقتلني ساعات غربتي لرائحته.
لا تمدي يدك قلتها بصوت عالٍ لابنتي دون وعي مني، حين رأيتها تمسك رغيفاً من الخبز، ثوان قليلة وانتبهت لنفسي، فاستدركت قائلاً: انتظري فقط أريد تصوير الأرغفة الأربعة، وبدأت التصوير فيما كان عشاؤنا يبرد، وأنا أحاول إيجاد طريقة مهذبة لأحصل على كامل الخبز وحدي، أعيد التفكير مرة أخرى، أنا منذ سنوات هنا، حرمت من رائحته الزكية، ومن نكهته الرائعة أنا كنت هنا أبكيه يومياً كلما مررت أمام فرن تركي لبيع الخبز.
في منفاي يوجد خبز يقول منتجوه أنه خبز سوري يشتريه السوريون بينما الأتراك يبتعدون عنه، ليس له تلك اللهفة، ولا تلك الرائحة، ولا يشبه خبز وطني، فأنا أريد خبزاً محروقاً لأشعر أنه سوري، أريده أسمرَ كوجه أبي، أشم فيه حنطة سوريتي، وبيدٍ مرتجفة حاولت أن أقسم رغيف الخبز.. تعرقت يداي وارتجفت أكثر، وكانت درجة برودة يدي أكثر برودة من رغيف الخبز، هي اليد ذاتها التي كانت تحترق، وهي تحمل خبز الصباح من فرن الحارة المجاور، كيف سأقسمه بيدي؟ وفي بلدي ذهب ضحية الحصول عليه مئات الآلاف من الأبناء والآباء، بقعة دم كبيرة ارتسمت على سطح الرغيف، وجثة أيضاً لأبٍ لم يترك خبز بيته وظلّ متمسكاً به، على الرغم من مفارقته الحياة، هكذا تراءى لي على وجه الرغيف، لم أكن منتبهاً لدمعة سقطت مني، وأنا أحاول جاهداً ضبط نفسي أمام عائلتي كي لا أحرمهم عشاءهم الوحيد. كيف تقبل نفسي خبزاً في منفاي بينما في سوريتي يموت من أجله الناس على المائدة؟ كنا خمسة أفراد، والكل ينتظر نصيبه من الخبز، فيما عافت نفسي تذوقه قررت أخيراً إعطاء كل فرد منهم رغيفاً، ناولت الرغيف الأول لابني، لكنه لم يمد يده، وعيناه كانت ترقب شيئاً على خدي، ولربما عيناه أيضاً التقت بحمرة عيوني لا أدري!. رفضت كل عائلتي أخذ رغيف واحد، أعدت الأرغفة الأربعة إلى مكانها، وعدت إلى الخبز “السوري التركي”، عديم الرائحة والنكهة لأملأ به بطناً خاوية من الطعام فيما الذاكرة ممتلئة بصور لا يمحوها الزمن، عن حنطة مسفوحة بطول البلاد وعرضها، وأفران تنطلق منها رائحة خبز لا تشبهها أيّة رائحة في العالم.


by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »
best microsoft windows 10 home license key key windows 10 professional key windows 11 key windows 10 activate windows 10 windows 10 pro product key AI trading Best automated trading strategies Algorithmic Trading Protocol change crypto crypto swap exchange crypto mcafee anti-virus norton antivirus Nest Camera Best Wireless Home Security Systems norton antivirus Cloud file storage Online data storage