حسن أبو هنية

يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد طرح ما يشبه اللغز والأحجية في حديثه الغامض حول إقامة «مناطق آمنة» للنازحين في سوريا لكن يمكن فهم تصريحات ترامب في سياق ظهوره كرجل صادق عازم على الوفاء بوعوده الانتخابية المتعلقة بالهجرة ففي 25 كانون ثاني 2017 وقع على مسودة أمر تنفيذي حول الهجرة أتبعه بتصريح قال فيه: «سأُقيم حتماً مناطق آمنة للناس في سورية « الأمر الذي خلق ردود فعل متباينة حول ماهية المناطق الآمنة وحدودها وأبعادها والقدرة على تنفيذها والمقاصد من وراء إنشائها بين مؤيد ومتحفظ ورافض بسبب غموضها والتباسها.

كانت تركيا قد طرحت في مرحلة مبكرة من النزاع في سوريا على إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما خلق منطقة آمنة في شمال سوريا لتكون ملاذا لمن يهربون من القتال وقاعدة لعمليات جماعات المعارضة المسلحة المدعومة من البلدين دون جدوى، بل قوبلت الفكرة بالرفض القاطع رغم الضغوطات التركية التي شددت على أهميتها حيث شدد مسؤولو إدارة أوباما آنذاك أن تطبيق الفكرة قد يورط القوات الأمريكية لأعوام ويعرضهم لخطر كبير من تهديدات مختلفة

مع إدارة ترامب تغيرت أشياء عديدة ورغم غموض ترامب حول المناطق الآمنة فإن مخاوف الإدارة السابقة قد تتجول إلى واقع فحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية فإن تعهد الرئيس دونالد ترامب بخلق مناطق آمنة في سوريا للمدنيين النازحين تحمل في طياتها إمكانية اشتراك أكبر للجيش الأمريكي في النزاع الدائر هناك، بما في ذلك استخدام أكثر للقوة الجوية وقوات برية أمريكية أو من الدول الحليفة، وهي خطوة سبق وأن رفضتها وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، لكن المتحدث باسم البنتاجون جيف دافيس، قال: إن «وزارة الدفاع لم يطلب منها بعد وضع الخطط»، مضيفا أن «إقامة مناطق آمنة سيمثل توسعا في المهمة الأمريكية بسوريا. ووزارتنا حاليا منوط بها شيء واحد في سوريا آلا وهو إضعاف تنظيم «داعش» وإلحاق الهزيمة به».

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عبر عن حالة الغموض والالتباس في قرارات وتصريحات الرئيس ترامب حول اللاجئين والمناطق الآمنة، فقد اعتبر أن إجراءات الرئيس ترامب بخصوص السفر تنتهك المبادئ الأساسية لحقوق اللاجئين، وأعرب عن استغرابه من توجه الرئيس الأميركي لإقامة مناطق آمنة لملايين السوريين معلقاً بالقول « لا أفهم هذه الفكرة تماماً، لسنا ضد إنشاء مناطق آمنة لكننّا ضد حصر المدنيين في نطاق معين».

حالة الغموض في مسألة المناطق الآمنة برزت مرة أخرى عندما خلت الصيغة النهائية من الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب رسمياً في 27 كانون ثاني الماضي من أي ذكر للمناطق الآمنة، ولكن اللغز سوف يتعقد بعد أن عاد الرئيس الأميركي ترامب إلى تناول المناطق الآمنة بعد يومين فقط خلال محادثات هاتفية أجراها مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان حيث طلب خلالها حسب البيان الرسمي للبيت الأبيض دعمهما لإقامة المناطق الآمنة في سورية واليمن، وقد دعما الفكرة.

أما الرئيس السوري بشار الأسد فقد اعتبر أن اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإقامة «مناطق آمنة» في سوريا، ليس واقعيا على الإطلاق ولن يساعد في حل الأزمة، لكنه رحب في الوقت نفسه بالتعاون معه في محاربة الإرهاب بشروط، لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعرب عن موافقة بلاده على إقامة مناطق آمنة في سوريا، ولكن بشرط موافقة النظام على إقامة تلك المناطق، ومشاركة الأمم المتحدة في إدارتها.

من المفترض أن المناطق الآمنة للنازحين في سوريا هي ضد قصف قوات النظام السوري وحليفه الروسي وفي حال تعاون النظام السوري والروسي مع أمريكا في فرض هذه المناطق كيف يمكن حمايتها من جماعات مصنفة كحركات إرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة فتح الشام وحلفائهما.

لا تزال مسألة المناطق الآمنة في سوريا غامضة ولا تتوافر على رؤية محددة حول طبيعة المخاطر التي تواجه النازحين السوريين ويبدو أنها مرتبطة بالتخلص من أعباء مسألة اللاجئين أمنيا واقتصاديا وسياسيا وتجزئة النزاع السوري لكنها تعبر عن تعقيدات الحل في سوريا وتباعد وجهات النظر حول تعريف الأزمة السورية وطرائق معالجتها.

المصدر : الرأي