Views: 120 تأملات في كتاب إدارة التوحش (5) – الرقة بوست-Raqqa Post

تأملات في كتاب إدارة التوحش (5)

معبد الحسون – الرقة بوست
هذا مايمكن تخيل أن يقوله لنا المحافظون الجدد في أمريكا على سبيل الفرض، وقد عزموا أن يؤسسوا”مصانع التوحش”التي كان من أحدث أصناف إنتاجها صناعة داعش، وأن يَكِلوا مهمة الإخراج والمتابعة إلى دول وأنظمة مثل نظام بشار الأسد وروسيا وإيران، وأن يخترعوا إدارييها المناسبين وفلاسفتها الأفذاذ أمثال السيد أبي بكر ناجي.. ولكن لنعد مرة أخرى إلى “فاوست” و”مموفيستوفيلس”..
لا شك أن”مموفيستوفيلس”لم يكن شيطاناً على مستوى القضية، بل لقد كان يحيا في روح التاجر ويعيش تفاصيل عرضه والخِيَرَة بين بضائعه: هل أمنحك قوة المعجزة التي أمتلكها وتهبني روحك..؟ أعطني روحك وخذ قوة المعجزة التي تجعلك إلهاً.. اتفاق صريح وعقد واضح البنود، ولا إكراه بين طرفين حُرَّين ضامنين عاقلين.. ولقد أُبرِم الإتفاق بين الشيطان وفاوست برضى الطرفين، فقبل فاوست بما وَهَبَ وقبل الشيطان بما كسب.. هذا ما لم توفره لنا “كوندوليزا رايز”، وزيرة الخارجية الأمريكية والناطقة شبه الرسمية باسم المحافظين الجدد، في شروط عقدها الذي أبرمته معنا حين قررت أن”الفوضى الخلاقة”هي (الشيء الجيد) الذي نحتاجه، وأننا ،في المضمون النهائي، شعوب وأمم لا تستحق أكثر من داعش: تصنعها هي، وتتكفل إيران ونظام الأسد بدور المدراء والمهندسين والفنيين واللوجستيين الذين يديرونها ويشرفون على وقائع المعركة على الأرض، وتقوم بلادنا وشعوبنا بدور مسرح العرض وضحية هذا المختبر الذي سوف يختبر التجارب ..
ومثل صفقة”ممفوستوفيلس” و”فاوست”: (بعني روحك وخذ ما تشاء من معجزاتي).. نحن كذلك سوف نشتري يأسكم ونبيعكم أملاً جديداً.. وداعش هي وكيل ميزان الصفقة الجديدة، ومعيار ضبط معادلاتها الإجرائية بيننا وبينكم.. قد نقضي عليها في هذه البقعة لتظهر ثانية في بقعة أخرى، وقد تظهر باسم جديد وبحلة جديدة في كل مرة ، فلا تيأسوا من الصفقة ولا تنسحبوا منها بنزق المتعجل للنهايات، فالصفقة ماضية في الأمم الجديدة وفي صلب الحضارة.. ذلك هو الغامض الذي ندعوه مابعد الحداثة..
لاشك ان استئجار قتلة محترفين أسهل كثيراً من استئجار دين عريق، ضارب في التاريخ منذ خمسة عشر قرناً، ويدين به قريب من خُمْس سكان الأرض؛ وذلك من أجل حشو هذا الوحش المطلوب والمرغوب في تحقيق آمال كتلة المال الصغيرة المتحكمة بالعالم. أما لماذا وقع اختيارهم على الإسلام بالذات(وليس على دين آخر غيره)، فأعتقد بأن السبب لا تضمنه نصوص دينية تختص بالإسلام وحده دون غيره، قدرما تضطره حقيقة أن الجغرافيا التي يحتلها الإسلام في قلب الشرق الأوسط هي المعول عليها.. لو كان سكان الشرق الأوسط اليوم من البوذيين أو الهندوس لما تغير الأمر كثيراً، ولكانت داعش والقاعدة وأضرابها اليوم تدعو إلى البوذية أو الهندوسية، وألفيناها تقتل الناس باسميهما.. ولو كان الإسلام ديناً محصوراً في أوستراليا أو كان ديناً يدين به بعض أهالي جزر المحيط الهادي أو أقاصي الشرق الاقصى فالمرجح أننا لن نسمع بداعش” العالمية” كما تم تخريجها والتعرف عليها اليوم، فلا علاقة إذن بالدين ونصوصه في إنتاج الظاهرة إلا بمقدار ما تساعد أو تعرقل الريح سفينة تعمل بالمحركات الضخمة ولا تتكل في سيرها على الريح.. فهذه الجغرافيا هي في حقيقتها محصلة قوى ومجموع مصالح كان يشتجر الصراع حولها ومن أجلها منذ العصور القديمة وصولاً إلى العصور الوسطى وحتى اليوم، واشتباك هذه الجغرافيا بعلاقات معقدة وذات حساسية خاصة ومصالح مفتوحة بين طرفين؛ بين شعوبها الإسلامية وبين العالم المسيحي القديم، يفصح عن ذاكرة تاريخية متبادلة تبقى حية وطرية مهما تقادم بها العهد.
السيد أبو بكر ناجي يرى أن هذا التوحش حتمية تاريخية وضرورة لا مندوحة عنها، ويجب أن تمرّ بها الأمة. فلنلاحظ أن هذا انشقاق خطير عن الحضارات البليدة الماضية كلها، والتي كانت تنضد المعرفة وتراكمها دون أن تحسن التصرف بها، أو تستفيد منها.. إذ كلما ازداد الإنسان علماً كلما ازداد شقاءً وحيرة، وكلما راكم المعرفة ونضدها وعلمها للأجيال الجديدة كلما ازداد شقاء الناس، وكثرت الخصومات والمطاحنات وتعاظم سفك الدماء فيما بين البشر(أولئك البشر الذين مازالوا يقنعون أنفسهم بأنهم مازلوا يحيون أحراراً.. بل هم أحرار أكثر مما يجب)! ولاحظوا أيضاً أن خطورة الإنشقاق لاتكمن في نسبته إلى الإسلام أو غير الإسلام، فنبي الاسلام نفسه لم يخطر بباله يوماً أن هذا التوحش هو ضرورة واجبة لاكتمال بناء الأمة، وأنه مرحلة واجبة التحقق لإقامة شرع الله ونصرة دينه، ولا كذلك الذين تابعوا سيرورة المجتمع الإسلامي وبناء دولته: الأمويون والعباسيون والأندلسيون والفاطميون والسلاجقة والزنكيون والأيوبيون والبويهيون والعثمانيون.. كل أولئك لم يخطر ببالهم شيئاً من ذلك، بل ولقد فاتهم أيضاً أن يسموا دولهم بـ”الدولة الاسلامية”،(بما في ذلك الدولة التي بناها النبي في المدينة)، ولا أن يصطلحوا على أن الأرض التي صارت تحتهم وملك تصرفهم تعرف باسم”أرض الخلافة”.. ولكن ماهي المعوقات والمشاكل التي تمنع السيد أبا بكر ناجي من المرور عبر خطواته المتسقة والمنظمة وصولاً إلى المرحلة المنشودة: مرحلة إدارة التوحش..؟
لنستمع اليه وهو يقول: {ولا شك أن القوة التي أعطاها الله للقطبين]أمريكا وروسيا [ جبارة في حساب البشر إلا أنها في الحقيقة وبالنظر الدقيق في حساب العقل البشري المجرد أيضاً لا تستطيع أن تفرض سلطانها من بلد المركز في أمريكا مثلاً أو روسيا على أراضٍ في مصر واليمن مثلاً إلا إذا خضعت تلك البلاد بمحض إرادتها لتلك القوى}ص7
وهذا صحيح..! لأنه، وبحساب بسيط، فإن قوة أولئك الاقوياء، أو القطبين كما سماهما: روسيا وأمريكا، والجبارة في حساب البشر، لابد أن تضعف كلما ابتعدنا جغرافياً عنهما. أي أن المشروع، مشروع إدارة التوحش، سيكون ملائماً ومؤاتياً للإثمار في بلد بعيد كمصر واليمن مثلاً، لأن القوافل والجيوش لا تستطيع أن تقطع المسافات الشاسعة بين ميناء “فيلاديفوستك” مثلاً، أو مطارات بنسلفانيا وفلوريدا وصولاً إلى مصر واليمن إلا بعد أن يهلكها المسير ويضنيها وعثاء السفر.. ولكن ماعلينا من هذه النقطة، فإن الأخ أبا بكر ناجي سوف يوضحها بمنتهى الجلاء في قوله:{..القطبان اللذان كانا يسيطران على النظام العالمي كانا يسيطران من خلال قوة مركزيتهما، والمقصود بالقوة المركزية هنا هي القوة العسكرية الجبارة التي تصل من المركز للسيطرة على مساحات الأراضي التي تخضع لكل قطب بداية من المركز وحتى أبعد طرف من تلك الأراضي، والخضوع في صورته الأولية المبسطة هو أن تدين تلك الأراضي للمركز بالولاء والتحاكم وتجبي إليه المصالح}. ص 7..
لا أدري من الذي يستهبلنا ويستغبينا أكثر من الآخر: السيد أبو بكر ناجي والمخرجون الفنيون أم الإدارة الصانعة لهم، مما يثير الريبة لدينا بأن السيد أبا بكر ناجي يتصور مصر والصومال وافغانستان مثل طروادة القديمة، وأن”القطبين الجبارين”مثل جيوش الإغريق المهاجمة.. في عنوان فرعي يضعه السيد أبو بكر ناجي تحت مسمى:(التعريف بإدارة التوحش وبيان السوابق التأريخية لها)، يضيف مستأنفاً:{قلنا فيما سبق إن المتأمل في القرون السابقة وحتى منتصف القرن العشرين يجد أنه عند سقوط الدول الكبرى أو الإمبراطوريات- سواءً كانت إسلامية أو غير إسلامية – ولم تتمكن دولة مكافئة في القوة أو مقاربة للدولة السابقة من السيطرة على أراضي ومناطق تلك الدولة التي أرادت أن تتحول بالفطرة البشرية إلى مناطق وقطاعات هذه الدولة للخضوع تحت ما يسمى بإدارات التوحش.. لذلك تعرف إدارة التوحش باختصار شديد بأنها: إدارة الفوضى المتوحشة..!! أما التعريف بالتفصيل فهو يختلف تبعاً لأهداف وطبيعة أفراد هذه الإدارة، فلو تخيلناها في صورتها الأولية نجدها تتمثل في: إدارة حاجيات الناس من توفير الطعام والعلاج، وحفظ الأمن والقضاء بين الناس الذين يعيشون في مناطق التوحش وتأمين الحدود من خلال مجموعات الردع لكل من يحاول الاعتداء على مناطق التوحش إضافة إلى إقامة تحصينات دفاعية. قد ترتقي إدارة احتياجات الناس من طعام وعلاج إلى تحمل مسؤولية تقديم خدمات مثل التعليم ونحو ذلك، وقد يرتقي حفظ الأمن وتأمين الحدود للعمل على توسيع منطقة التوحش.
لماذا أطلقنا عليها: ] إدارة التوحش [أو إدارة الفوضى المتوحشة ولم نطلق عليها إدارة الفوضى؟ ذلك لأنها ليست إدارة لشركة تجارية أو مؤسسة تعاني من الفوضى أو مجموعة من الجيران في حي أو منطقة سكنية أو حتى مجتمعاً مسالماً يعانون من الفوضى ولكنها طبقاً لعالمنا المعاصر ولسوابقها التأريخية المماثلة وفي ظل الثروات والأطماع والقوى المختلفة والطبيعة البشرية وفي ظل الصورة التي نتوقعها في هذا البحث يكون الأمر أعم من الفوضى بل إن منطقة التوحش قبل خضوعها للإدارة ستكون في وضع يشبه وضع أفغانستان قبل سيطرة طالبان.. منطقة تخضع لقانون الغاب بصورته البدائية يتعطش أهلها الأخيار منهم بل وعقلاء الأشرار لمن يدير هذا التوحش، بل ويقبلون أن يدير هذا التوحش أي تنظيم أخيارًا كانوا أو أشرارًا إلا أن إدارة الأشرار لهذا التوحش من الممكن أن تحول هذه المنطقة إلى مزيد من التوحش..!!} ص11.
فإذا كانت “منطقة تخضع لقانون الغاب بصورته البدائية، ويتعطش أهلها الأخيار وعقلاء الأشرار” فيها لإدارتها، فلماذا يعتقد السيد أبو بكر ناجي أنه الأكفأ والأولى بإدارتها من “أهلها الأخيار”؟ لقد بات واضحاً كما أحسب أن السيد أبا بكر ناجي إنما هو المفسر التنفيذي لمضمون ومحتوى كلام “كونداليزا رايز” وكل الذين خدموا في إدارتي بوش الأب والابن، وأن أبرز المقاصد والغايات لهذه الإدارة هو أنه{..في ظل الثروات والأطماع والقوى المختلفة والطبيعة البشرية} كان واقع الحال كما يلي: الواقع قبل احتلال الأمريكان للعراق، وقبل وصول طالبان إلى الحكم في إفغانستان كان متوحشاً، ثم تحول هذا الواقع بعد احتلال الأمريكان ووصول طالبان وسيطرتها على كامل التراب الأفغاني إلى واقع مثالي تسدده الحكمة. وذلك بعد النجاح المنقطع النظير في{ إدارة حاجيات الناس من توفير الطعام والعلاج، وحفظ الأمن والقضاء بين الناس الذين يعيشون في مناطق التوحش وتأمين الحدود من خلال مجموعات الردع لكل من يحاول الاعتداء على مناطق التوحش إضافة إلى إقامة تحصينات دفاعية. قد ترتقي إدارة احتياجات الناس من طعام وعلاج إلى تحمل مسؤولية تقديم خدمات مثل التعليم ونحو ذلك، وقد يرتقي حفظ الأمن وتأمين الحدود للعمل على توسيع منطقة التوحش}. ص11
والأمر نفسه ينسحب على مناطق سيطرة داعش بعد أن استبان “تعطش أهل المنطقة الأخيار, وعقلاء الأشرار” للنجاح الذي حققته هذه الإدارة، فقرروا الاستمساك بها. بيد أننا سوف نتساءل مرة أخرى؛ والأمثلة سوف نستقيها من إدارة داعش للمناطق التي سيطرت عليها في سوريا والعراق: إذا كانت مجمل الحدود المنصوص عليها في الشريعة الاسلامية لا تتجاوز العشرة حدود، بعضها غير قطعي وغير مؤكد، فكيف قفزت هذه الحدود إلى عشرات ومئات الحدود على يد داعش والإدارة المتوحشة الجديدة، والمستلهمِة لجواهر الحكمة التي يبثها السيد أبو بكر ناجي: ماهو الأصل التشريعي الذي يجعل مثلاً من لبس بنطلون “الجنز” إثماً وجريمة شرعية تستوجب حد الجلد مائتي جلدة للابِسِهِ مثلاً؟ ولماذا لم يكن ذلك الحد مائة وخمسين جلدة أو مائتين وخمس وعشرين جلدة مثلاً؟ وماهو الأصل التشريعي الذي يقرر بأن لبس الإيشارب أو المنديل النسائي الفاتح اللون أو الوردي أو الزهري هو خروج على الشريعة، وأن “دين الله” الذي يطبق نهج السلف الصالح ويسير بسيرتهم قد قرر الحد على هذا الإثم بوضع الفتاة صاحبة الإيشارب في قفص حديدي ـ كالحيوانات ـ مليء بالجماجم والعظام؛ وعرضها لعدة أيام في الساحات العامة، حتى تُجَنّ أو تتلف روحُها أو تموت رعباً؟ ومن الذي قرر من وجهة نظر الشريعة (المستندة إلى النص والدليل) بأن المتعاون مع التحالف الصليبي يغرق في الماء حتى يختنق، أو يطلق عليه الرصاص حتى يموت موتاً بطيئاً، أو يُحرق وهو على قيد الحياة، أو يوضع مكبلاً في سيارة وتفجر به السيارة عن بعد؟
هل نسأل الشريعة وأبا بكر ناجي؟ أم نسأل “مموفيستوفيلس”؟ أم نسأل “كوندوليزا رايس..؟
معبد الحسون 16/ 2 / 2017
تم الجزء الأول


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »
best microsoft windows 10 home license key key windows 10 professional key windows 11 key windows 10 activate windows 10 windows 10 pro product key AI trading Best automated trading strategies Algorithmic Trading Protocol change crypto crypto swap exchange crypto mcafee anti-virus norton antivirus Nest Camera Best Wireless Home Security Systems norton antivirus Cloud file storage Online data storage