Views: 81 عبيد الكعكجي الذي “اختفى خلف عينيه” – الرقة بوست-Raqqa Post

عبيد الكعكجي الذي “اختفى خلف عينيه”

زياد ماجد

تطاردني نظرة هذا الرجل منذ ثلاثة أيام. أجدني رغم محاولاتي نسيانها، أبحث عنها باستمرار. لم أعرف قبل البارحة أن صاحبها قضى بعد دقائق من تصويره. أنه من أولئك المنسيّين على ضفاف الفرات، في مدينة الرقّة السورية، حيث يتدفّق الموت على الناس من كل صوب فيتحوّلون كما بيوتهم الى أشلاء…
ينظر الرجل إلينا بذهول، بحزن، بأسى، بِعتب، أو ربما بلا مبالاة. وجهه حطام قياميّ. محفورة الأهوال فيه. يُشبه ما كان يُمكن أن نتخيّله من وجوه التراجيديا الإغريقية، أو بالأحرى لا يُشبه شيئاً نعرفه أو نتخيّله. فكيف لنا أن نفهم نظرة رجل حطّمه قصفٌ وقرّبه من حتفه، يرى عدسة الكاميرا مسلّطةً على أنقاضه فيرسل لنا عبرها آخر رمق تبقّى له! هل كان يدري أنه سينطفئ بعد ذلك بدقائق؟ هل كان يريد ترك نظرة تشهد على ما تعرّض له؟ هل أرادنا أن نؤوّل ما قالته عيناه في تلك الثانية، أم أننا نفعل ذلك لنُبرّر لأنفسنا التمعّن في صورته وتداولها والكتابة عنها وعنه وعن عجزنا وقهرنا؟
رجل الرقّة هذا يبقى رغم تجسيده المأساة السورية في وجهه ونظرته رجلاً فرداً حطّمه قصف مرعِب. كانت له حياة ومهنة وأحلام وأخطاء ومشاريع غير مكتملة. كانت له أوراق في دِرج ما. أسرار حفظتها جدران وشوارع. وكانت له صوَر أُخرى، لِوحده أو مع أهله وصحبه. رجل الرقة هذا كان له اسمٌ، عبيد الكعكه جي، اختفى خلف عينيه، وصار مُلكاً لذاكرة عامة، مشتركة بين من شهد موته وبين من رأى مرآةً لِبعض وجعه في نظرته الغامضة الأخيرة…

زياد ماجد – أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في باريس


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »
best microsoft windows 10 home license key key windows 10 professional key windows 11 key windows 10 activate windows 10 windows 10 pro product key AI trading Best automated trading strategies Algorithmic Trading Protocol change crypto crypto swap exchange crypto mcafee anti-virus norton antivirus Nest Camera Best Wireless Home Security Systems norton antivirus Cloud file storage Online data storage