Views: 119 شهادات الموتى.. – الرقة بوست-Raqqa Post

شهادات الموتى..

يوسف دعيس
(1)
أنا الحاج صالح العبد الله العلي، من أهالي الرقة، حارة السخاني، كان يسميني أهلي وربعي صويلح، ويناديني الغالبية من أهل الرقة “أبو فوزات”، أحببت أهل الرقة، وحبب الله إلى قلبي “اللمة”، وكان يجتمع في بيتي يومياً العشرات من الأصدقاء، نتسامر ونتجاذب أطراف الحديث إلى وقت متأخر من الليل، وعندما سيطرت داعش على الرقة آثرت البقاء في بلدي إلى أن يقضي الله أمره، وبعد أن حاصرت قوات سورية الديمقراطية، المدعومة من التحالف الدولي مدينة الرقة من كل جانب، وبدء المعارك الحربية لإخراج الدواعش منها، تعرضت مدينتي لكل أشكال القصف من الطيران الحربي والمروحي والمدفعية، ولم تترك لنا القوات المتحاربة طريقاً آمناً للنجاة بأرواحنا عبر طرق آمنة، ما أدى لتوقف كل أشكال الحياة فيها، فانقطعت الكهرباء والماء، وبدأت أعمل في نقل مياه الشرب بصهريج وتوزيعه على أهل الرقة المحاصرين، وأصبت بطلقة قناص في يدي، ولم تمنعني الإصابة من متابعة عملي في نقل الماء، ومساعدة أهلي، ثم انتقلت مع ولدي محمود وشقيقي محمود من دارتنا في حارة السخاني، إثر تعرض حينا للقصف المدمر إلى موقع آخر أكثر أمناً، فوضعنا رحالنا في دارة أخي بالقرب من دوار الشهيد حسين جاهد (النعيم)، وبينما كنّا مجتمعين في المنزل أنا وولدي وشقيقي ورفقة تعد أكثر من عشرة أشخاص، باغتتنا طائرة حربية للتحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، وألقت بحممها علينا، فأوقعتنا جميعاً قتلى، وما تزال جثثنا تحت أنقاض البيت تنتظر من ينتشلها ويقوم بدفنها لترقد بسلام.
(2)
أنا المختار ماجد العثمان من أهل الرقة، حارة البجري، سافرت في شبابي إلى أمريكا في نهاية سبعينات القرن العشرين، وبقيت أعمل هناك لسنوات عدّة، جمعت من المال ما يكفي لبناء بيتي، وتكاليف الزواج، وافتتاح مشروع صغير يوفر لي ولأسرتي حياة هانئة، وبعد اندلاع الثورة السورية، لم تطاوعني نفسي على مغادرة بلدي، وبقيت أتابع حياتي مثل الآلاف ممن بقوا في بيوتهم، لكن بعد سيطرة داعش، وإعلان الحرب عليها كان لزاماً عليّ مغادرة موطني، فقد رأيت الدمار والموت يحاصرني من كل جانب، فاتخذت قراري بالفرار من الرقة قهراً وصبراً، وكان هذا القرار من أصعب القرارات التي اتخذتها في حياتي، ومع اشتداد آلة الحرب خرجت من الرقة فاراً من الموت المحتم برفقة ابن صديقي محمد وليد كلزي، وفي طريق الهروب جنوباً باتجاه نهر الفرات، سقطت شهيداً بطلقة قناص، أمام المشفى الأهلي، منطقة البانورما، ولم يتسنَ لرفيق دربي حمل جثتي، أو دفنها تحت وقع طلقات القناصة، وقذائف الهاون وصواريخ الطائرات العمياء، وعند وصوله إلى برّ الأمان لم يذق طعم النوم، وظلّ يلوم نفسه، ويهذي باسمي، وأصبحت هاجسه اليومي، وبعد انتهاء المعارك، وخروج الدواعش من الرقة، عاد إلى نفس الموقع بعد مضي أربعة شهور، ثم وجد جثتي في نفس المكان، وحملها إلى موقع قريب واستطاع أن يواريني الثرى بعد أن بقي جثماني كل هذه المدة في العراء، الآن صار لي قبر، وارتاحت نفسي بسلام.

(3)
أنا هيا من الرقة، عمري لا يتجاوز الثلاثة عشر عاماً، لا أريد أن أفصح عن اسم أبي وأهلي ولا عشيرتي، ويكفي أن أقول: “أنا من الرقة أباً عن جد”، كنت ضحية زواج قسري، فقد زوجني أهلي من داعشي تونسي، كان يشعرني بالألم والخوف وهو ينام معي، بينما ما زلت أحلم أن أنام في حضن أمي، وتتملكني رغبة في سماع ترنيماتها العذبة وهي تهدهدني قبل النوم. كنت مجرد طفلة، عروساً ساقني قدري الذي ساهم بصنعه أهلي المغرر بهم بوهم دولة الحق كما يدعون، إلى عش زوجية لا قبل لي بها، فأنا ما زلت أحلم بالدراسة، واللعب مع صديقاتي في المدرسة، لكن هكذا كان مصيري أن أكون في أحضان شاب مكتمل الرجولة، وبعد سنة من زواجي أنجبت طفلاً أدخل الفرح إلى قلبي، واستمرت الحال على هذا البؤس، إلا من ضحكات الصبي التي أعادت إليّ الأمل.
وبعد الإعلان عن بدء معركة الرقة، وفي ليلة ظلماء وبينما كنت أناغي ابني وأداعبه، ألقت طائرة سوداء صواريخها على البيت الذي نقطنه، فقضت عليّ وابني الرضيع، وقد استطاع زوجي، الذي كان خارج البيت، أن ينتشل جثتي وابني، وواراني الثرى برفقة ابني في قبر واحد، في حديقة الحي القريبة من بيتنا، وقبري هناك شاهد على آثار جريمة اقترفها بحقي أولاً أبي ثم زوجي وطائرات الغدر.


Posted

in

by

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »
best microsoft windows 10 home license key key windows 10 professional key windows 11 key windows 10 activate windows 10 windows 10 pro product key AI trading Best automated trading strategies Algorithmic Trading Protocol change crypto crypto swap exchange crypto mcafee anti-virus norton antivirus Nest Camera Best Wireless Home Security Systems norton antivirus Cloud file storage Online data storage