منذ وعد بلفور، تأخذ القضية الفلسطينية حيزًا كبيرًا من اجتماعات الأمم المتحدة، وتعاطف حركات التحرر العالمية، باعتبار أن بلفور أعطى أرضًا لا يملكها لمن لا يستحقها.
وبعد حرب حزيران، عام 1967 ازداد نفوذ إسرائيل، وخاصة بعد أن اجتاحت لبنان، وأخرجت المقاومة الفلسطينية منها عام 1982.
في هذا الجو المشحون وتطور الأحداث كانت تنبت في قلوب الفلسطينيين بذرة الانتفاضة، هذه الكلمة التي لم تعرف لها ترجمة في اللغات الأخرى، فكانت خاصة بالشعب الفلسطيني، ونقلت كما هي إلى المعاجم الفرنسية والإنجليزية.
بعد مرور 30 عامًا على اندلاع “انتفاضة الحجارة”، تجددت ممارسات إسرائيل الاستيطانية، ووقع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أمس الأربعاء 6 كانون الأول، على قانون نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
في المقابل، شهدت مدن ومناطق فلسطينية احتجاجات شعبية، ترتفع الدعوات لانتفاضة جديدة، لنجد أن التاريخ يعيد نفسه، فهل ستنطلق انتفاضة ثالثة؟
لمعرفة ذلك نعود بالتاريخ لأكثر من 30 عامًا ونرى كيف كانت أجواء “انتفاضة الحجارة” الأولى.
أسباب الانتفاضة
كان هناك أسباب بعيدة للانتفاضة منها سياسي وآخر اقتصادي:
الأسباب السياسية
أصبح الشعب الفلسطيني يشعر بالعزلة وخيبة الأمل، وذلك بعد خروج مصر من دائرة الدفاع عن القضية الفلسطينية وتوقيعها اتفاقية “كامب ديفيد”، إضافة لخروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بعد اجتياحها، وانتقالها إلى تونس، ما جعلها بعيدة عن الشعب الفلسطيني.
كما أن الحرب العراقية- الإيرانية أخذت نصيب القضية الفلسطينية من الاهتمام العربي، فعقدت قمة عربية طارئة لبحث الحرب بين العراق وإيران، دون التطرق للقضية الفلسطينية.
سبب اقتصادي
بعد قيام إسرائيل ببناء المستوطنات وتهجير السكان الفلسطينيين من منازلهم، ومصادرة أراضيهم، اضطرهم للعمل لدى الإسرائيليين، الذين أذاقوهم ألوان الذل، إضافة للتمييز في الأجور، فكان العامل الفلسطيني يحصل على أجر أقل بمرتين من نظيره الإسرائيلي، كما كان العامل الفلسطيني يطرد من عمله دون أن يدفع له في الغالب، إلى جانب ما كان يتعرض له الفلسطينيون من تفتيش وطلب تصاريح للتنقل.
كما كانت الحكومة الإسرائيلية تخصم من مرتبات الفلسطينيين 20% بحجة أنها ستصرفها على تحسين الأوضاع في الضفة وقطاع غزة، إلا أنها كانت تحول إلى المصاريف العامة لإسرائيل.
السبب المباشر
بدأت شرارة الانتفاضة الأولى في 8 كانون الأول عام 1978، عندما صدمت شاحنة إسرائيلية “قصدًا” سيارتين فلسطينيتين، كانتا تقلان عمالًا فلسطينيين من مخيم جباليا إلى قطاع غزة، وأسفر عن مقتل أربعة فلسطينيين، وجرح تسعة آخرين.
وتبين أن سائق الشاحنة الإسرائيلية فعل ذلك ثأرًا لمقتل ابنه الذي طعن أثناء وجوده في سوق غزة.
وفي اليوم التالي، وأثناء تشييع القتلى الفلسطينيين، خرج سكان مخيم جباليا ليرشقوا عناصر الجيش الإسرائيلي بالحجارة.
رد الفعل الإسرائيلي
لم يهتم رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين للانتفاضة، واعتبرها احتجاجات عادية وستهدأ، حتى أنه استمر في زيارته إلى واشنطن لعقد صفقة أسلحة.
وعندما استمرت الانتفاضة، واتسعت لتشمل جميع أراضي قطاع غزة والضفة الغربية، وشاركت فيها فئات الشعب الفلسطيني بما فيهم الأطفال، وكان سلاحهم الوحيد هو الحجارة، استعان رابين بحرس الحدود.
ورغم أساليب وصفت بـ “الوحشية” استعملتها إسرائيل لإخماد الانتفاضة من تكسير عظام، وإطلاق الرصاص، واعتقال المتظاهرين، إلا أنها استمرت لست سنوات لتفرض نفسها، إلى أن بدأت محادثات السلام في أوسلو.
تأثير الانتفاضة على إسرائيل
كسبت الانتفاضة الفلسطينية تعاطفًا دوليًا كبيرًا، فكانت الصور التي يلتقطها الصحفيون عن تنكيل الإسرائيليين بالفلسطينيين، تعطي صورة مختلفة للشعوب الغربية عن حقيقة إسرائيل.
من جهة أخرى، بدأت لأول مرة في إسرائيل هجرة معاكسة، بسبب خوف المستوطنين الإسرائيليين من الاحتجاجات، وأصبح اليهود يفضلون الهجرة إلى الاتحاد السوفييتي بدلًا من إسرائيل.
كما انقسمت الأحزاب السياسية الإسرائيلية إلى أحزاب تدعو إلى العنف والشدة مثل “الليكود”، وأحزاب يسارية تدعو للتفاوض مع الفلسطينيين وعدم استعمال العنف ضدهم.
انتهت “انتفاضة الحجارة” عام 1993، مع توقيع اتفاقية “أوسلو” للسلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن راح ضحيتها حوالي 1262 قتيلًا بينهم، 241 طفلًا.
لكنها حققت قدرًا كبيرًا من أهدافها، وخاصة إنشاء سلطة وطنية فلسطينية، مقرها الضفة الغربية، وتم نقل الصلاحيات إلى مسؤولين فلسطينيين في خمس مجالات، هي التعليم والثقافة والصحة والرفاه الاجتماعي والضرائب، إضافة لإيجاد هيئة حكم ذاتي منتخبة.
اترك تعليقاً