هيئة التحرير
” الصراع على سورية” ليس جديداً، وليس مجرّد عنوان كتاب ارتأى ” باتريك سيل ” أنه سمة سورية المعاصرة، بل هو حقيقة سورية عبر العصور؛ فالموقع الجيوسياسي يمنحها مكانة، ويجعلها حاضرة ، بل لابدّ من وجودها في كل “أعراس” المنطقة، على مبدأ لها “قُرص في كل عُرس”، وسيبقى ما دامت سورية بوضعها الحالي وتحوّلاتها المتوقّعة أو المرسومة لها.
لكن التحوّل الأخطر في القضية السورية بدأ بالتجلّي بعد أن توضّحت نوايا المتصارعين الإقليميين والدوليين -والمحليين أيضاً- في خلق منطقة نفوذ لكل منهم مباشرة أو عبر وسطاء لهم. ففي كل جهة من جهات سورية تموضع إقليمي أو دولي يعمل على استثمار موقعه جيوسياسياً، من حمص وحلب والبادية وديرالزور وعفرين وإدلب وريف دمشق إلى الرقة، ولا يحدث ذلك دون اتفاقات ضمنية أو توافقات بالتراضي بين المجموع أو أطراف ضمنه. وقد يشعر طرف قوي بالغبن فيما تحصَّل عليه، فيعمل على إعادة التوزيع من جديد، وهو ما عبّر عنه الروس مؤخّراً في محاولتهم الفاشلة دخول مناطق شرق الفرات في دير الزور، أو بكائيّتهم الجديدة للرقة.
اكتشف الروس أن الرقة مفتاح جيوسياسي بين جهات سورية الأربع، فاستغلوا انعقاد مجلس الأمن لمناقشة الوضع الإنساني في الغوطة الشرقية وإقرار هدنة تخفّف عن المدنيين وتصلح بعضاً من أحوالهم، فأبرزوا وضع الرقة ومعاناتها على حساب الغوطة فيما طرحوا من تعديلات على مشروع القرار السويدي-الكويتي، إذ كان المقترح الروسي حرفياً: ( يعرب مجلس الأمن عن قلقه العميق للوضع المأساوي الإنساني في الرقة في أعقاب العملية العسكرية هناك، ويؤكد على الحاجة لاستعادة سيادة الجمهورية العربية السورية على المنطقة لضمان دخول المساعدات الإنسانية بصورة تتسم بالكفاءة وبالتوقيت المناسب، مع بذل جهود لإزالة الألغام.)!
ثمة أسئلة لا يمكن لأي رقاوي ابتلاعها، تُرى أين كان لسان الروس في الأشهر التي تمّ فيها تدمير الرقة على رؤوس أهلها بطيرانهم –الروس- وطيران النظام والتحالف ومدفعية قسد بحجّة “داعش”؟ وماذا فعلت سيادة الجمهورية العربية السورية للرقة غير فتحها لكل زناة الأرض؟
أهل الرقة يعرفون قبل غيرهم، أن بكاء التماسيح اليوم لا يُعيد ما فقدوا، ولا يشفي جروح ضحاياهم، وأن ما يقوله الروس ليس حبّاً بهم، بل ابتزازاً لخصومهم من جهة، وإعلاناً لرفض واقع بدأ يمسك بها ولا يريدون عرقلته لمشاريعهم، وإبرازاً لرغبة كامنة في وضع إصبع في أي مكان منها تحرّكه وقت تشاء كيفما تشاء!
الرقة في احتلال داعش لها كانت وصمة العار، وأصدر الجميع عليها الحكم بالدمار والموت، ولم يرفّ لهم جفن أو نبضت روح إنسانية تجاه أهلها العزّل، أمّا اليوم فهي الكنز الذي لا يُضيّع، والكعبة التي تتوجّه صوبها قلوب وعقول وجيوب المستثمرين، ويتصارع من أجلها القَتَلة.
اترك تعليقاً