Views: 219 أوهام التهافت السياسي في سوريا – الرقة بوست-Raqqa Post

أوهام التهافت السياسي في سوريا

محمد صبحي

ماذا تقدم لنا السياسة خارج مشروع الدولة الوطنية في أحسن الأحوال؟! في نظري، لا سياسات وطنية ممكنة دون دولة القانون، فهي من يمنح المشتغلين بالشأن العام حصانتهم الحقوقية والقانونية، وهي من تمنحهم أفضل المسالك والسبل لتحقيق غاياتهم بناء على امكانياتهم الفكرية والسياسية وتطوير شؤون المجتمع وبنائه على نحو مضطرد ومستمر.

لكن ماذا لو كان السياسي مجرد بائع للوهم؟وماذا لو كان دون اي  غطاء قانوني؟ وماذا لو كان منفصلا عن مجتمعه؟وماذا لو كان لايعرف سبيلا لتحقيق اهدافه سوى الالتحاق بالأجندات الدولية او الاقليمية؟

يظن الكثيرون منا وممن يتنطحون للشأن العام، انه بمجرد رفعهم شعاراً ينطوي على مضامين سياسية بأنه الانجاز الاعظم الذي يعجبنا ابتكاره، فتتلقفه الجماهير لتجعل منه برنامجاً تسعى لفرضه في الواقع المعاش ثم مايلبث أن يكتسب السياسي حين يبتدعه جملة من المكاسب التي تؤهله للامساك بقيادة المجتمع وتوجيهه كيفما شاء.

تأخذ الشعارات الكبيرة والبراقة حيزا كبيرا في بسطة الشعاراتية، كما أن الدعوات المطروحة لا تلبث أن تلازمها آليات شمولية لها طابع الدعوة الحثيثة في مناصرة الفكرة ووضعها في عهدة الفضاء الافتراضي بعد انتشار الشبكات ووسائل التواصل الاجتماعي.

لم يعد الترويج في السياسة صعباً طبقاً لهذه الظروف والمعايير الافتراضية لكن التحديات الحقيقية، تكمن في التسويق لهذا النشاط أوذاك، إذ كيف يمكنني تحويل هذا البرنامج إلى خطة عمل تلبي احتياجات الجمهور وتمنحه قيمة مضافة عن كونه المواطن المهمش والغير فاعل في تقرير مصيره ومصير وطنيته المشفوعة بأجمل عبارات التنميق والتضليل؟

علينا ان ندرك أننا رزحنا زمنا ليس بقصير تحت سطوة وسلبية  التحولات التاريخية. فانتقلنا بشكل مفاجئ من الفضاء الاشتراكي للدولة التي تلتزم بالايديولوجيا الشمولية، إلى فضاء الدولة الأمنية المافيوية والسيطرة الكاملة لادوات الاستبداد، ففقد المجتمع السو ري ميزة التعاطي الحر مع السياسة على مدى قرون، ان كانت خارجية أم داخلية وذهبت زمر من المتنفذين والمستفيدين إلى تكريس الظلم والاستعباد حتى وصلنا إلى فضاء جديد رمزيا، تم تسميته بالثورة السورية.

وبصرف النظر عن الموقف من الثورة واحقيتها ونقد ما تمخضت عنه في الواقع، الا انه علينا الإقرار بأن  تجربة افتراضية جديدة عبرت عن نفسها سلميا في الواقع السوري بشكل خجول مع بداية 2011، وتم توظيف الشبكة العنكبوتية بأبعادها وقنواتها ووسائلها المختلفة لخدمة هذا التطور المفاجئ في الحالة السورية لكنه لم يستمر كما هو عليه في بداية الثورة.

ويبدو أننا نجحنا رمزيا ونظرياً في ترويج فكرة الثورة ومدلولاتها، بالوقت الذي أخفقنا فيه كلياً في واقعنا التفاعلي المعاش بإدارة نتائجها حقوقياً وإدارياً وقانونياً. فأصبحت سوريا المجال الحيوي لتجريب كل أساليب النزاع والفوضى.

أما حين نفكر بالأسباب فلا بد وأن تعود برأيي: لعدم وجود خبرات تنظيمية  تعتمد على وسائل الديمقراطية المتراكمة على مدى تشكل الجمهوريات السورية منذ (جمهورية الاستقلال الأولى وحتى جمهورية البعث. فتتمثل الهرمية العامة للمجتمع السوري، وتبرز هويته الجامعة بد يلا من انهيار الثقة بمشروع التطلع للدولة الحديثة.

جرى ذلك على مدى عقد من الممارسة الثورية والسياسات الافتراضية خارج الحدود كتبت فيه الكثير من البرامج والتصورات و الدساتير، بينما يسير الواقع بشكل مختلف.

وهي جميعا ذات البرامج التي تكرر مضمونها وتفتقر إلى وسائل تجعل منها عملا ذو مشروعية عالية الشأن في نفوس وأذهان السوريين أنفسهم.

لم نرى أيا من هذه المشاريع يحدث فرقاً، فيجعل نصب الأعين إعلاءه شأن المشاركة العامة، أو احترام آراء المجتمع وخياراته اللاعنفية، بل إن ما جرى على العكس من ذلك. وأمام هذا الاستعصاء الكارثي، باشرت مشاريع العنف مداها الأبعد، ومن كل الأطراف، فالنظام إلى جانب حلفائه لم يترك وسيلة إلا وجربها، بغية قهر إرادتهم عبر شدتها العنيفة، أما الفصائل بمختلف أنواعها ومرجعياتها، ومازالت تمارس العنف المضاد على المجتمعات التي تقع في حدود سيطرتها.

إن ما جرى ويجري في سوريا، هو محض تفتيت لإرادة المجتمع العامة ومنعه من الوصول إلى تقرير شؤونه العامة عبر تقسيمة الى مناطق، ورهنه من جديد لسلطات الأمر الواقع، ويمكن تصنيفها على أنها تحالفات موضوعية للأسف. ولا تنفك من تقديم خدمة اللاحسم ، عبر رعاتنا الدوليين والاقليميين، وتأجيل الحلول الانتقالية أكبر لتفتيت إرادتنا العامة وثنينا عما كانت مطلبا جذرياً لنا.

فإلى متى سيبقى الحال كذلك ومتى يعود المواطن السوري إلى ممارسة الفعل السياسي بإرادته الحرة والكاملة، في ظل القانون والدستور. دون تدخل مباشر من أجندات تعمل على تحقيق مصالحها دون مصلحته كمواطن ينشد العيش بكرامة وحرية من جراء ممارسته للسياسة؟

مالم تنتابنا هذه الدوافع الايجابية ومالم نتمسك بهذا المطلب النبيل، سنبقى نروج لأوهامنا من خلال حلقة مفرغة تشتتها المصالح الدنيا، والغايات الشخصية، والارتزاق، والانخراط في مشاريع وأجندات متنافرة، ومتصارعة، على حساب المواطن السوري ومواطنته التي نتصورها على الورق.


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »
best microsoft windows 10 home license key key windows 10 professional key windows 11 key windows 10 activate windows 10 windows 10 pro product key AI trading Best automated trading strategies Algorithmic Trading Protocol change crypto crypto swap exchange crypto mcafee anti-virus norton antivirus Nest Camera Best Wireless Home Security Systems norton antivirus Cloud file storage Online data storage