Views: 63 الحملة على اللاجئين السوريين تصل إلى فرنسا: مهاجرون ضد مهاجرين – الرقة بوست-Raqqa Post

الحملة على اللاجئين السوريين تصل إلى فرنسا: مهاجرون ضد مهاجرين

“كلنا أجانب هنا، من يريد ترحيل السوري من لبنان وهو مقيم في هذه البلاد كأجنبي، ليعد أدراجه إلى لبنان ويطالب من هناك بترحيل السوريين”.

التجمّع الذي دعا إليه التيار الوطني الحر في فرنسا، يوم السبت 29 نيسان/أبريل، للمطالبة بعودة النازحين السوريين في لبنان إلى بلادهم، لم يجرِ كما أراده المنظمون. الدعوة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لتصل مسامعها إلى الجالية السورية في باريس. مجموعة منهم، من مهاجرين ولاجئين، توجهت بدورها إلى ساحة Saint Michel في التوقيت ذاته للتعبير عن رفضها.

الإشكال الذي وقع بين المجموعتين لم يكن مستغرباً. صحيحٌ أن الموقف لم يتطور إلى عراك أو تدافع، لكن احتقان الطرفين تجلى بوضوح خلال النقاشات الحادة التي دارت بينهما واستمرت حتى بعد تدخل الشرطة الفرنسية.

الخطاب الرسمي لأنصار التيار الوطني الحر بدا هادئاً ومدروساً، نافين ما يوجَّه إليهم من تهم بالعنصرية والتحريض، لكن بعيداً من مضمون ما دار بين الطرفين من أخذ ورد وحتى استفزازات لفظية، انطوى الاشكال على رمزية لافتة: مغتربون يقطنون البلد ذاته كانوا في مواجهة بعضهم.

أحد الشبان السوريين طرح هذه النقطة بقوله: “كلنا أجانب هنا، من يريد ترحيل السوري من لبنان وهو مقيم في هذه البلاد كأجنبي، ليعد أدراجه إلى لبنان ويطالب من هناك بترحيل السوريين”.  ويضيف الشاب الذي رفض الكشف عن اسمه في تصريحات لـ”درج”: “كنت أمام حقد أعمى، لم يكن المنطق مجالاً للحوار، شعرت بالخوف لثوان وأنا أمام المتظاهرين اللبنانيين، ألوم السوريين في فرنسا الذين لم يشكلوا إلى الآن جالية قادرة على المواجهة في الشارع، الخوف الآن أن الموضوع شخصي، وما بدأ في لبنان قد ينتقل إلى فرنسا ويمسّنا نحن اللاجئين”.

فرنسوا هيران، الباحث والمتخصص في قضايا الهجرة، أشار إلى عدم وجود إطار نظري، من زاوية علم الاجتماع، يمكن تعميمه لتفسير مشهدية يوم السبت، موضحاً في حديث لـ”درج” أن الإجابة تكمن في الانقسامات الداخلية اللبنانية. كلام هيران حمل تلميحاً  إلى شكل ارتباط المجموعة اللبنانية  بوطنها الأم كما بالبلد الذي تقيم فيه.

يظهر هذا في تركيز أنصار التيار الوطني الحر خلال التجمع المذكور، على “التهديد الديمغرافي” المتربص بلبنان، مدّعين أن السوريين باتوا يشكلون 40 في المئة من مجمل المقيمين على الأراضي اللبنانية، إذ بلغ عددهم 2.1 مليون فرد.

ألم يخطر في بالهم وهم “يدقون ناقوس الخطر” هذا، أنه من الممكن اتهامهم هم أيضاً بتهديد فرنسا ونسيجها الاجتماعي؟ ألم يأخذوا علماً بخطاب اليمين المتطرف المتخوف بدوره من “استبدال الشعب الفرنسي الأصيل” بشعب آخر بفعل موجات الهجرة التي هم جزء منها؟.

التفسير الوحيد أن هذه الشريحة من اللبنانيين لا ترى نفسها تهديداً لفرنسا، وأن إقامتها في هذا البلد ليست “غزواً” له، إنما هي استقرار في فضاء تنتمي إليه بحكم هويتها وثقافتها. بمعنى آخر، لا تنظر إلى ذاتها كعامل دخيل على المجتمع الفرنسي، ما يمنحها، وفق منطقها هذا، الحق في تسويق معزوفة التهديد الديمغرافي من خارج لبنان.

نور الفاضل، متخصصة في قضايا الهجرة والعمل الإنساني، اعتبرت من جهتها، في حديث مع “درج”، أن السبب يكمن ربما في كون المتظاهرين اللبنانيين يُحسبون على فئة المهاجرين وليس اللاجئين. وتضيف: “الصورة النمطية للاجئ وتحديداً في وسائل الإعلام، تضعه في أدنى السلم الاجتماعي. كلامها يحيلنا إلى مسألة أخرى تم التركيز عليها خلال التجمع: العبء الاقتصادي الذي شكله ويشكله اللاجئ السوري”.

خلال التجمع، تمسك أنصار التيار الوطني الحر بتصدير رقم آخر: بفعل اللجوء السوري، تكبدت الخزينة اللبنانية 46 مليار دولار، لم يتحمل المجتمع الدولي منها إلا 12 ملياراً.  استشهادهم برقمي الـ 2.1 مليون فرد و46 مليار دولار، يشير إلى تبنيهم طروحات تيارهم السياسي من دون أي نظرة نقدية ومن دون عناء البحث والاستماع إلى آراء الخبراء التي تدحض حججهم.

المستشار في التنمية والسياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر أديب نعمة، تحدث لـ “درج” كشاهد عيان، عما جرى خلال السنوات الماضية بعدما شارك في اجتماعات رسمية وورش عمل عدة خُصصت لبحث ملف اللاجئين السوريين وآلية تنظيم وجودهم.

نعمة توقف مطولاً عند اجتماع عُقد منتصف العام 2013 (تموز/يونيو- آب/ أغسطس)، جمع ممثلين عن البنك الدولي ومنظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وحضره شخصيا كممثل عن الإسكوا. في هذا الاجتماع، طُلِبَ من المجتمعين إعداد تقرير عن تداعيات الأزمة السورية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، تحضيراً لاجتماع أصدقاء لبنان الذي انعقد في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام ذاته.

بداية المشكلة، وفقاً لنعمة، كانت في “سلق” مسودة التقرير بعدما طُلِبَ منهم إنجازه في غضون أسبوعين، وهي مدة غير كافية، بحسب نعمة، لإعداد دراسة بشروط علمية. الرد كان الحاجة السريعة الى مادة تستند إليها الدولة اللبنانية لطلب المساعدات من المجتمع الدولي، وسيصار إلى التدقيق بمحتوى التقرير وتصويبه في وقت لاحق. وعليه، رفعت الحكومة اللبنانية تقريراً تناول خسائر لبنان من اللجوء السوري، وهو تقرير لا يستند إلى أي معايير علمية، والكلام دائماً لأديب نعمة الذي تابع: وبما أن عملية التدقيق وإعادة التقييم لم تجرَ، تحوّل التقرير المذكور، ببياناته المغلوطة، إلى وثيقة رسمية تم البناء عليها طوال السنوات اللاحقة، ما أوصلنا الى الحديث عن رقم الـ 46 مليار البعيد من الواقعية.

يميز نعمة بين الآثار الناتجة من اللجوء من جهة وما ترتب عن الوضع الميداني السوري من جهة أخرى: تطور الأحداث في سوريا لتتحول تدريجياً إلى صدام مسلح، انعكس سلباً على التبادلات التجارية بين البلدين لما توفره سوريا من ممرات تجارية برية، ما أدى إلى انكماش في الاقتصاد اللبناني.

في المقابل، تدفُّق اللاجئين لم يكن بتلك السلبية التي يتم الحديث عنها: دخول اللاجئين وفّر يداً عاملة كان الاقتصاد اللبناني بحاجة إليها، ما تجلى خصوصاً في زيادة نسبة استصلاح الأراضي في البقاع وعكار. لا بل مارس ملاك الأراضي الزراعية ضغطاً على الحكومة اللبنانية لتسهيل دخول العمال الزراعيين السوريين بعد قرار الأمن العام الصادر في كانون الثاني/ يناير 2015 والقاضي بفرض تأشيرات دخول ورسوم كفالة على العمال.

من جهة أخرى، وفّر دخول السوريين إلى لبنان مساعدات للقطاع التعليمي، كما ساهم في إنجاز الكثير من مشاريع دعم المجتمعات المضيفة، الأمر الذي صبّ في صالح البلديات التي شهدت افتتاح عشرات المشاريع، بتمويل دولي، ما كانت لتبصر النور لولا لجوء السوريين إلى لبنان. تضاف إلى كل ما سبق، زيادة الاستهلاك وانتعاش سوق العقارات وتوفير الكثير من فرص العمل للبنانيين.

يعتبر نعمة أن اللاجئ السوري ترك أثراً إيجابياً على الاقتصاد اللبناني: ليس فقط لأنه لم يأخذ ليرة واحدة من درب اللبناني، على حد تعبيره، بل أيضاً لأن كل 100 دولار ضُخّت في السوق اللبنانية من المنظمات الدولية، أعطت مفعولاً يصل إلى 160 دولاراً، وذلك بناءً على دراسة أُنجزت في العام 2015 لصالح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).

من جانب آخر، أدى تعمُّد عدم تنظيم وجود النزوح السوري من جانب الدولة اللبنانية، إلى التوظيف السياسي الذي نشهده حالياً، وفقاً لنعمة الذي أكد تضخيم الأرقام المتداولة لتوظيفها سياسياً بعيداً من الموضوعية والعلمية. مثلاً، لم يُجر تعداد للاجئين السوريين في لبنان، ما يعني عدم وجود أي مصدر موثوق يؤكد رقم الـ 2.1 مليون، وأن ما نملكه ليس إلا أرقاماً متفرقة غير صادرة عن جهة محايدة وموثوقة.

لعل الرقم الأقرب إلى الواقع بحسب نعمة هو الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي قدرت اللاجئين السوريين بـ 800 ألف، مشدداً على أنه ليس رقماً أكيداً.

يعطي نعمة مثالاً آخر يدفع إلى التشكيك في رقم المليونين: في العام 2019، أجرت إدارة الإحصاء المركزي مسحاً للقوى العاملة والأحوال المعيشية في لبنان، وقدرت بنتيجته عدد المقيمين في هذا البلد بـ 4.8 مليون نسمة توزعوا كالتالي: 80 في المئة من اللبنانيين و20 في المئة من غير اللبنانيين.

ما يؤكد أيضاً الرغبة في توظيف ملف اللاجئين السوريين سياسياً، وفقاً لنعمة، آلية التعامل مع الملف الفلسطيني. فعلى رغم التعداد العام الذي أجري في العام 2017 وخلص إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والتجمعات السكانية يقارب الـ 174422 فرداً، إلا أن هناك إصراراً من بعض القوى السياسية على استمرار التداول برقم الـ 400 ألف فرد، وهي، للمصادفة، القوى ذاتها التي تصوّب على اللاجئين السوريين.

ما جرى يوم السبت في باريس مشهد غير مألوف، وفقاً لنور الفاضل، وهو ما لا يمكن تفسيره إلا في إطار الانقسام السياسي في البلد، والذي أشار إليه فرنسوا هيران. من الطبيعي أن يتبنى التيار الوطني الحر خطاباً يسوّق فيه لاستتباب الأمن في سوريا وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل العام 2011 ليس فقط لطلب إعادة اللاجئين السوريين، إنما أيضاً بغرض إنكار الثورة التي قام بها السوريون ولتصوير ما جرى طوال السنوات الـ 12 الماضية كنزاع بين “النظام الآدمي” و”المعارضة الإرهابية” من دون نسيان تقاطع التيار مع النظام السوري و”حزب الله” المنخرط ميدانياً في سوريا.

طبعاً لا يجوز نكران التحديات الداخلية الناتجة من اللجوء السوري، والتي أضيفت إلى مشكلات لبنان؛ وليس الهدف مما ورد أعلاه شيطنة طرف لصالح آخر ولا التعميم ولا تسخيف المشكلة أو ادعاء القدرة على تقديم حلول ناجعة وسريعة. لكن صورة تجمع يوم السبت بدت لافتة وعلى قدر كبير من الرمزية: مهاجرون تركوا بدورهم لبنان قسراً، إما خلال الحرب الأهلية أو نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، ويطالبون بعودة لاجئين اضطروا بدورهم لمغادرة بلدهم حفاظاً على أرواحهم، مستندين إلى حجج غير متماسكة شكلاً ومضموناً.

درج


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »
best microsoft windows 10 home license key key windows 10 professional key windows 11 key windows 10 activate windows 10 windows 10 pro product key AI trading Best automated trading strategies Algorithmic Trading Protocol change crypto crypto swap exchange crypto mcafee anti-virus norton antivirus Nest Camera Best Wireless Home Security Systems norton antivirus Cloud file storage Online data storage