معبد الحسون –
تحفظ الإنسانية جمعاء لـ ” هوميروس ” عبقريته الفذة العابرة للأزمنة والقرون بسبب ملحمته الشعرية الشهيرة :” الإلياذة ” ، اما الأوديسة فيشكك الكثيرون في نسبتها ، فلا يُعرف كاتبها الحقيقي على وجه الدقة . وكما توقر المتنبي والمعري والجاحظ ، توقر اليوم برتولد بريخت وتشيخوف وديستويفسكي وتولستوي وبرنارد شو وبو شكين وموزارت ، إلا أن عبقرية شكسبير فاقت كل العبقريات ، وظلت على مدى العصور شيئاً يفوق العبقرية ويبزُّ مقدرات الإنسانية ، حتى انبرت أصوات كثيرة مشككة ، وارتفعت آراء هاجسة مستريبة ، أن تكون لإنسان فذٍ واحد كل هذه الملكة العبقرية ، وكل ذلك الإبداع الفني الشعري والحِكَمي الذي يتجاوز الخيال ويفوق التصورات ..كثيرٌ من النقاد لم يستطيعوا أن يتخيلوا أن شكسبير كتب كل هذه الروائع ،فنسبوا قسماً من مسرحياته إلى آخرين ،وشككوا حتى بأصله ,فقد كتب كثير من الظرفاء والمشككين أن هناك رواياتٍ تقول بأن شكسبير يعود إلى أصول عربية أو عراقي وُلِد في نواحي البصرة ،وكان اسمه “الشيخ زبير” ، أو “الشيخ إسبر” ، وبالطبع تدخل هذ الأقوال في باب الظرافة التي لا تتعدى النكتة ..
وُلِد وليم شكسبير في مدينة ” ستراتفورد ” في إنجلترا عام 1564,وعاش طفولة بائسة غير سعيدة ؛ لم يُكمل دراسته ..وتزوّج وهو في عمرالثامنة عشر ،وكانت بدايته الأدبيّة في لندن عندما عمل ممثلاً وكاتباً ناجحاً في إحدى شركات التمثيل المسرحي ,ولاتوجد معلومات كافية عن حياة شيكسبير في جميع مراحلها . فمما يُعرف عنه أنه ذهب الى لندن بعد زواجه بفتره ،ويقال بأنه كان مجرد ممثل بسيط في المسرح ،ثم ابتدأ بكتابة الشعرالمسرحي بطريقة جديدة تختلف عن الكتاب السابقين الكلاسيكيين .
عمل شكسبير مع فرقة (رجال الملك) ممثلاً وكاتباً ، وبقي حتى آخر يومٍ في حياته مع هذه الفرقة ،حيث كتب ومثَّل كلَّ أعماله فيها ،والتي تمتاز بالكثرة والإبداع ،وحيث تنطق شخصياته بالحكمة وتخاطب العقل ..وتناجي النفس البشرية في جميع خلواتها وصبواتها ،ففي أعماله الأدبية (سحرٌوأشباح) ،وفيها تفاءلٌ ووثوق وتشاؤم وغدرٌ وخيانة ..كل ذلك صبه شكسبير في قالب أدبي بديع على شكل ملهاة أوتراجيديا ممثلة ،وكتب عن الشخصيات التاريخية ،وقد تأثر به الكثير من الكتاب المسرحيين والروائيين والشعراء.
أعمال شكسبير ماتزال تُعرض حتى هذا اليوم على أكبرالمسارح العالمية ،وقد تحولت معظمها إلى أفلام سينمائية ،وترجمت مسرحياته إلى كل اللغات العالمية الحية تقريباً حتى يومنا هذا . كما كتبت عنه آلاف الدراسات النقدية.
توفي شكسبير عام 1616 وعمره يومذاك ثلاثة وخمسون عاماً بمرض التيفوئيد ،ولم يحضرجنازته إلا عدد من أصدقائه المقربين ،حيث لم تكن له الشهرة والمعرفة الواسعة به كما هي الحال عليه اليوم .
وسأحاول التعريف ببعض أعماله الأشهر ما أمكن ، مبتدئاً من مسرحيته الشهيرة ” ماكبث ” . وقبل أن أبدأ بالحديث عن ” ماكبث ” رغبت أن أذكِّرَ القراء الذين شاهدوا الفيلم المصري (معالي الوزير) ، من تمثيل أحمد زكي ، أنهم ربما لم يجدوا صعوبة ،أو دار في خلدهم أنه يحاكي أزمة ” ماكبث ” وانهياراته النفسية أمام ضميره المدمر ،فقد افتقد الوزير (نعمة النوم بسلام) ،وصار يحلم بكوابيس لا تكاد تنفك عنه بسبب تأنيب الضمير على مااقترفه من قذارات متراكمة وفساد مبين ..مثل “ماكبث” تماماً..زوجة الوزيرالتي كان لها دور في فساده ،لم يكن يهمها إلا سلطات زوجها الواسعة ووجاهته أمام المجتمع ،مثل “السيدة ماكبث” ,وكذلك الوزير يقتل أعز رفاقه ،بعد أن عرف بعض أسراره الخطيرة ،وخشي أن يفضحه بها ..إنه يرى شبحه جالساً أمامه على الكرسي ، ولا يكاد يفارقه ..
والآن سوف أنتقل إلى بقية أحداث مسرحية ” ماكبث “..
يتبع …..