الأحد. نوفمبر 16th, 2025

معبد الحسون ـ

تتمة المقال السابق : ( وليم شكسبير ـ مسرحية ” ماكبث “):

لقد قتل ” ماكبثَ ” النعاسُ البريء ..

      خلال حكم الملك العظيم ” دنكان “، ملك اسكتلندا ، كان يعيش لورد عظيم اسمه ماكبث. وكان من رجال الملك المقربين ، لما يتمتع به من شرف وشجاعة فى القتال .وعندما كان القائد ماكبث وزميله القائد ” بانكو “، عائدين منتصرين من موقعة كبيرة ، استوقفتهما ثلاثة اشباح ، أقرب إلى شكل النساء ، فيما عدا أن لهم ذقوناً ، كما أن جلودهم الشاحبة وملابسهم الغريبة جعلتهم لا يبدون مثل المخلوقات الأرضية..ولقد بادرهم ماكبث بالحديث ، لكنَّ كلَّ واحدةٍ منهن وضعت أصابعها على فمها طالبة السكوت ؛ونادته الجنية الأولى باسمه 🙁 ياماكبث) ،وبلقبه الرسمي : أيها اللورد جلاميس ..فاندهش القائد كثيراً عندما وجد نفسه معروفاً من قبل تلك المخلوقات ؛ لكن دهشته ازدادت عندما نادته الساحرة أو الجنية الثانية بلقب : يا لورد كاودور ، هذا اللقب الذى لم يكن يستحقه .. أما الثالثة فقد نادته قائلة : “مرحباً ؛ بالملك القادم ! ” ولقد أدهشته هذه النبوءة لأنه كان يعرف أنه طالما أن أبناء الملك أحياء فلا يستطيع أن يأمل فى الوصول إلى العرش . ثم التفتن إلى القائد (بانكو) وتعرفن عليه ، وقلن له بكلمات غامضة : ستكون أقل شأناً من ماكبث ، ولن تكون سعيداً فقط ، بل موفورالسعادة ! وتنبأن له بأنه لن يتولى العرش أبداً ، إلا أن أبناءه من بعده سيكونون ملوكاً لاسكتلندا .. ثم استدرن فى الهواء واختفين ، وهنا تأكد القائدان أنهن ساحرات ..
وبينا هما واقفين يفكران فى هذه الأمور الغريبة وصل رسول خاص من قبل الملك . ليخلع على ماكبث لقب واسم دوقية كاودور  .وكان لهذا الحدث الغريب أثره على نفس ماكبث ، لأنه تطابق مع ما قالته الساحرات ، الأمر الذى ملأه بالحيرة فوقف مذهولاً ، غير قادر حتى على الرد على الرسول .. ومنذ تلك اللحظة ، بدأت الآمال الضخمة تداعب ذهنه فى إمكانية تحقيق النبوءة الثالثة ، وبالتالي فقد يصبح ذات يوم ملكاً لاسكتلندا .فالتفت إلى بانكو ، وقال :
“ألا تتمنى أن يكون أولادك ملوكاً ، خاصة وأن ما وعدتنى به الساحرات قد تحقق؟
فأجاب بانكو :
ــ ”  إن هذا الأمل قد يدفعك للتطلع إلى العرش ، لكن رسل الظلام قد يصدقون معنا فى أشياء صغيرة ، حتى يقودونا إلى ارتكاب أفعالٍ شريرة”
بيد أن كلمات الساحرات ، كانت قد استقرت فى أعماق تفكير “ماكبث ” وفي وجدانه لا تكاد تبرحه ، حتى أنه أعرض عن تحذيرات صديقه ” بانكو ” الطيب . ومنذ ذلك الوقت وجه كل تفكيره فى كيفية الفوز بعرش اسكتلندا..

فرح ماكبث وإن يكن قد شعر بالدهشة لأنه صار (لورد كاودور) ..إذن تحققت النبوءة ،وأصبح ” ماكبث ” نائباً للملك..فتبدأ حينئذٍ نفسُه تحدثه بأنه ربما كان يستحق أن يكون هو الملك..( ولعل الساحرات هن النفس الأمارة بالسوء( . يخبر” ماكبث ” زوجته بماحصل معه في الطريق ،فتشجعه وتطلب منه قتل الملك ,والذي سوف يأتي لزيارة قلعتهم..لكن “ماكبث ” يرفض بشدة..إن الملك كان يحبه ،وقدعينه نائباً له..ثم ـ من جهة أخرى ـ كيف يمكن للمرء أن يقتل ضيفه؟
أبطال شكسبير ليسوا أشخاصاً سيئين منذ الولادة..كلا..بل هم بشر كسائر البشر ،وربما هم طيّبون كثيراً من الطيبة ،لكن مغريات الحياة والجشع الإنساني  والشهوة والطمع والجاه والسلطان .. كل ذلك لاحدود له ، وهو الكفيل بأن يغير نفوس البشر ويفتك ببراءتهم وطيبتهم .
إن (ماكبث) هو نموذج لكل الطغاة والجبابرة والحكام الأشرار في هذا العالم ، حيث البداية تبدأ من رجل نبيل وشجاع وشهم ، فتتكفل النفس بأن تبث الشرور والقسوة وأفكارالخيانة والتمرد في تلك البراءة الفطرية التي جُبِل الإنسانُ عليها ..فيُطبخ الفساد في مغارات النفس العميقة ،وينتهي كل طاغية إلى نهاياته التي نعرفها .

ولكن ألا يذكرنا تشجيع زوجة ” ماكبث ” له بارتكاب الخطيئة ، بتلك الخطيئة الأولى التي اجترحها آدم ، وبدفع أيضاً من زوجته ..؟؟
بقي الجزء الثالث من الحديث عن مسرحية ” ماكبث “..

يتبع …..

By

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *