الأثنين. نوفمبر 17th, 2025

أديب البردويل –

الواقع العربـي يثور ، يتفرسخ ، يـخرج من فواته ، لكن ليس بكل قضـّه وقضيضه ، وليس بالضرورة أن يصير كل ما فيه ثورة ، ولم تصـر ثورة ، أية ثورة ، في العالم كله وكانت كاملة وشاملة ، ولو حصل ذلك سيكون خطأً أصاب منطق الصراع الإجتماعي وحوامل فعله . لكن ومن نافلة القول أنّ كلّ مجتمع سيعيش حراك مكوناته التي ستكوّن طبيعة حركته وايقاعها ، لكل حياة جذوتها التي لا تنطفىء ، بتعبير آخر ، لكل مجتمع حراكه مهما كان هذا المجتمع متخلفاً ، وحين يفقد مجتمعٌ ما حركته سيبلعه مواته ويخرج من التاريخ . مجتمعنا السوري : طوائف ، وقبائل ، وعشائر ، وأن محاولات مختلفة تدعو نفسها علمية وعلمانية وحداثية وليبرالية ومدنية , تقبع هنا أوهناك في زوايا المجتمع وعلى هامشه ، لا تـخصّه لا عضوياً ولا نظرياً , مازالت مصابة بارث النصح والوعظ , تنظر للناس من فوق وترمي لهم بوصفات الحلول التي لا تعدو كونها كلمات ومفردات ، عانت / وتعاني ماضيا وحاضراً رهيبا في دهاليز العقل السياسي العربي , طُردت / وتُطرَد بدفع موضوعي مرةً , ولغاية ذاتية مؤرة أخرى من ديار العرب وعقولهم ، حيث مازالت تلك النخبوية ترتّل الهواجس الكلامية , وتحوّل النظريات الفكرية والفلسفية إلى مقولات مجرّدة من أي آلية سياسية أو فكرية تؤهلها, وتُدخلها في المفاعل الإجتماعي الواقعي ، كي تتلاقح , وينتج لها التربة القابلة لتوليفة ٍ مؤنسنة ، دون تلك الضرورة ووعيها والعمل بها , لن ترى تلك المقولات الحياة , لأنها تفتقد إلى حوامل المعرفة ومنطق الصيرورة والتقدّم ؛ فكلمات : ديمقراطية , ليبرالية , دولة قانون وعدالة , لاتُغني ولا تُسمن من جوع . وإن كل ما يُقال عن سحرها لن يكون سوى دخان مباخر بلا وعيها وعياً واقعباً مناسباً . ان هذه المحاولات , بالرغم من انها لم تستفد على ما يبدو من مر هزائمها الكثيرة والطويلة , الا انها مدعوة الآن للتفكير الجدي باعادة النظر في وجودها الجسدي والفكري والسياسي , هذا إن ارادت ان تخرج من غربتها العميقة والمظلمة ، لتدخل في خدمة مـجتمعها لكن من بابه الـحقيقي . والدعوة تشمل بالتأكيد من دخل حديثاً هامش الثورة ، مثقفاً كان أم سياسياً . لكن ذلك كله سوف يبقي مرهونا بكيفية تعاطينا جميعا مع مكونات هذه الثورة وحقيقتها الواقعية ..؟ الكل متفق على أنها ثورة حرية وكرامة إلـى آخره ..ولكن هذا الكل ليس متفقا في التـحليل الإجتماعي والسياسي لما يـحدث في الوطن من تاريخ …، ومن يُـحدثه … كما ان توصيف الثورة هذا يدل الى عدم القبض على مادتها وفكرها . بالرغم من تواضع قراءتي , إلا أنه قد غاب عن هذا التوصيف تقريباً ، التحليل المادي والفكري للثورة . وأعتقد أن تـجنب هذا ، هو نـتيجة الخوف من الوقوع فـي إشكالية مكونات المجتمع , فلا يوجد متحرك الا وهو من الطوائف والعشائر والقبائل , وبالتأكيد أن هذا يدعو الى التعامي عن تناول هذا الهم غير المفهوم لدى الديمقراطيين والليبراليين الجدد , والقوميين والإشتراكيين والماركسيين الغائرين في العتق , لأنهم لـم ولن يـجدوا مكاناً لا فكريا ولا سياسيا ولا آيديولوجياً لهم بين مكونات الواقع المتفجر , لذلك شوهدوا وهم يحومون حوله ، يـصفونه بشعارات عامة وهلامية ، ودندنات رومانسية في أوكسترا طواف العقل العربي التقليدي وهزائمه المُذلّة

…. يـتـبــع …

أديب البردويل ـ كاتب وباحث سوري

By

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *