الخميس. نوفمبر 13th, 2025

معبد الحسون ـ خاص بالرقة بوست :

(( أتمنى أن يصبحَ الناسُ كلهم أغنياء ومشهورين..ليعرفوا يقيناً أن ذلك لن يجعلهم سعداء ))
هذا ماقاله الفيلسوف الهولندي(اسبينوزا) قبل400 عام..(إنَّ الناس غايتهم هي اللذة والشهرة والمال، وعند حصولهم عليها يتفاجأون بأنهم لم يصبحوا سعداء كما كانوا يظنون..وإنما، ليصبحوا سعداء، يجب أن تكون غايتهم العقل ).
ولد الفيلسوف الهولندي (باروخ سبينوزا) في أمستردام 1632، وتوفي في لاهاي عام 1677، فكان كل عمره في هذه الدنيا 45 عاماً .واسبينوزا ابن عائلة يهودية هربت من البرتغال إلى هولندا أثناء محاكم التفتيش والمجازر التي وقعت ضد اليهود والمسلمين والبروتستانت؛ أدخله والده إلى إحدى المدارس الدينية ليصبح رجلَ دين يهودي، وقد اطّلع على فكر الفلاسفة اليهود السابقين له :(ابن ميمون ـ ابن عزرا ـ ابن جبريل”الصوفي”)، وعلى بعض شخصيات الفكر الإسلامي كالحلاج وابن عربي، كما اطلع على فلسفة “ديكارت” الذي أثر في سبينوزا كثيراً،واطلع بالطبع على الكتاب المقدس لليهود، العهد القديم (التوراة) والتلمود (الفقه اليهودي)ودرس أيضاً الأناجيل الأربعة، وبدأ بعدها بالمشاغبة والتمرد على الديانة اليهودية، وقرر نفي المعجزات من الكتاب المقدس، وأن موسى لم يكتب التوراة، وأن النبي أيوب مجرد أسطورة لا أكثر..
ولقد حاول رجال الدين اليهود في البداية استمالته بالحسنى، فرفض..ثم عرضوا عليه مبلغاً من المال كان في أمس الحاجة إليه، فازداد إباءً ورفضاً ،فأعلنوا طرده من الملة اليهودية، وأنه ملعون من الرب، وأنه (أسوأ شخص بين البشر،من آدم حتى يومهم ذاك )، كما صدرت فتوى شرعية يهودية ضده بأنه (لا يجوزالاقتراب منه أكثر من أربع أمتار!)ـ على ما روى “وول ديورانت ” في (قصة الحضارة)، ومع كل ذلك فلم يغير (اسبينوزا) من آرائه شيئاً ..وأخيراً قام أحد اليهود المتعصبين بطعنه بخنجر، فهرب (سبينوزا) من مدينة لاهاي إلى مدينة أخرى، ولقد اضطرفي وقت من الأوقات، ولإكمال تعليمه الدراسي، أن يعمل في مصلحة بعيدة عن تقاليد أسرته ووسطه العائلي، ألا وهي صناعة النظارات الطبية، وعاش بقية حياته زاهداً إلا فيما يكفيه للعيش..وجعل يكتب مؤلفاته ويوقعها باسم مستعار .
بعث إليه أحد رجال الدين برسالة يقول له :(يا أحمق..من قال لك إن فلسفتك هي الحقيقة..إذ توجد مئات الفلسفات..وربما أن الفلسفة الحقة لم تولد بعد..) فكتب له (سبينوزا رداً عليه:(ومن قال لك إن دينك هو دين الحق، حيث توجد مئات الأديان..وربما أن الدين الحق لم يولد بعد )..و(اسبينوزا) في أهم مؤلفاته، وهو كتاب :(رسالة في اللاهوت والسياسة) دعا إلى فصل الدين عن الدولة, واعتبر أن (قوانين الدولة هي الحق، وأن ما عداها هو الشر)ويقال بأن(روسّو) قد أخذ هذا المبدأ من سبينوزا فيما بعد، وضمَّنه في فلسفته التي أشعلت الثورة الفرنسية .
معظم الفلاسفة قبل (اسبينوزا)، كالقديس أوغسطين،وتوما الأكويني، والمعتزلة، وابن رشد، وديكارت ..والذين جاؤوا من بعد (سبينوزا)، مثل باسكال وكانط، كلهم كانوا يثبتون عدم وجود تعارض بين(الإيمان والعقل)، بل إنهم استدلوا بأدلة عقلية على الإيمان..وحده (اسبينوزا) ـ ومن بعده روسو وفولتير ـ قرر بأن الإيمان والعقل منفصلين انفصالاً تاماً، ويميل (سبينوزا) إلى الرأي القائل بأن الإيمان طريق ضروري لقيادة عامة الناس، وذلك لأن (الكتاب المقدس) يعتمد في نصوصه على “الخيال التصويري والمجاز وضرب الأمثلة”، ولغته خطابية حماسية..وأن عامة الناس هم في حاجة دائمة إلى من يقودهم ويقدم لهم قواعد الإيمان جاهزة، وهذا ما يوفره لهم الدين .
الدين ـ برأي (اسبينوزا) ـ يقدم للعامة طريقًا مختصرًا وبسيطاً للوصول إلى السعادة، وذلك عن طريق الطاعة والخضوع والالتزام بالأوامر الإلهية، وهذا ضروري بالنسبة إليهم. ولهذا يذهب (اسبينوزا) إلى ضرورة التسليم بسلطة الدين والكتب المقدسة، ولكن مع شرط عدم إخضاعها للعقل، لأن هذا الإخضاع إما أنه سوف يؤدي إلى انهيار كثير من العقائد الضرورية، أو أنه سيولد الاختلافات الدينية والمذهبية التي يجب على الإيمان الحقيقى تجنبها .
ـ أشهر مؤلفات (اسبينوزا) وكتبه :الأخلاق ـ مبادىء الفلسفة الديكارتية ـ رسالة في اللاهوت والسياسة ـ محاضرة في إصلاح العقل..وعدد آخر من المؤلفات والكتب والرسائل المتنوعة .
ـ وضع (اسبينوزا) نظريته حول العقل والجسد في مقابل نظرية ديكارت التي تعد في حقيقتها إعادة صياغة لنظريات العصور الوسطى. فقد ذهب ديكارت إلى أن الكائن الإنساني مكون من جوهرين منفصلين ومتمايزين: جوهر مفكر وهو العقل، وجوهر ممتد وهو الجسم. وبالنسبة لديكارت فإننا نستطيع التفكير في العقل في استقلال عن الجسم ونستطيع التفكير في الجسد في استقلال عن العقل، لأنه لكل جوهر قوانينه الحاكمة له والمختلفة عن الجوهر الآخر. وديكارت بذلك يعد ثنائياً في نظريته حول العقل والجسد، ويذهب ديكارت إلى أن العقل والجسد منفصلين عن بعضهما البعض لكنهما في نفس الوقت موجودين معاً، ووجودهما معاً ليس ضرورياً بل عارضاً، لأن الجسد يمكنه أن يوجد بدون عقل في حالة الأطفال والمجانين والحيوانات، والعقل أيضاً يمكنه أن يوجد بدون الجسد في حالة النوم وبعد الموت عندما يموت الجسد وتبقى الروح .
ـ وفي مقابل الثنائية الديكارتية بين العقل والجسد ظهر (اسبينوزا) بنظرية مختلفة لم يسبق لأي فيلسوف أن جاء بها، إذ يذهب (اسبينوزا) إلى أن العقل والجسد شئ واحد، وذلك من منطلق وجود جوهر واحد يحمل صفتي الفكر والامتداد في نفس الوقت. فالعقل والجسد عند (اسبينوزا) صفتان أو حالان للجوهر الواحد ..كما يذهب (اسبينوزا) إلى أن العقل هو الحال المخصوص لجسد إنساني معين، وذلك لأن لكل جسد إنساني عقله الخاص، وهو يقول في ذلك: (إن موضع الفكرة التي تشكل العقل الإنساني هو الجسد الذي هو حال خاص للامتداد، وليس شيئاً آخر سوى ذلك)، وكل حادثة جسدية توازيها حادثة أخرى مماثلة لها على مستوى العقل، بمعنى أن كل ما يشعر به الجسد، باعتباره إحساساً يشعر به العقل وباعتباره شعوراً أو فكرة. ذلك لأن الجوع إحساس جسدي، أما الرغبة في تناول الطعام فهي شعور عقلي، ومثلما يشعر الجسد بالجوع يشعر العقل بالرغبة، والتي هي شيء عقلي في السعي نحو البحث عن الطعام .
ـ مات (سبينوزا) عام 1677عن عمر44 سنة متأثراً بمرض السل

By

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *