أديب البردويل
******* الديمقراطية …
الحرية وحدها القادرة على أن تجعلنا نعيش إنسانيتنا ، إنها حياة العقل وسلامته ، وهي التي ترشد سلوكنا الإجتماعي والسياسي والإنساني للديمقراطية .
الحرية حقٌّ للإنسان على اعتبارها هبة من الله والطبيعة لجميع الكائنات ، وهي ضرورة لاستمرار وجودها ووجودنا ، والديمقراطية هي الحرية ذاتها لكن عملياً , هي إبداع الإنسان لممارسة حقه بحرية اتجاه نفسه واتّجاه الآخر ، الحرية : أن تفكّر ما تشاء والديمقراطية هي : أن تحوّل فكرك إلى سلوك يأخذ معناه من علاقتك بالآخر ، حريتك معه وحريته معك تشترطان الواجب الذي هو حق الغير عليك وحقك عليه .
الحرية تمدّ سلوكنا وضوحاً وصدقاً مع انفسنا , والديمقراطية هي : ممارسة هذا الوضوح والصدق مع الاخر، كي يصير ثقافةً تترسّخ في العادات والتقاليد المجتمعية عن طريق أفعالنا التجريبية التي تُقدّمنا للواقع : نبنيه ويبنينا , نؤنسنه ويعقلننا ؛ كل هذا يحدث من خلال زوبعة مجتمعية تطوف بنا وتجدلنا جميعنا حول انفسنا , مكوّنة ذاتاً مجتمعبة مندمجة ومتماسكة , تقوم على حطام مكوّنات العصور الوسطى ومفاهيمها المستعصية على دخول العصر إلا عن طريق الزيف والمروق .
بعد تلك المحاولة المبسطة المتواضعة والبعيدة عن الفلسفة للتعريف بالحرية والديمقرطية , يعود السؤال الاهم :
كيف سنفعّل مفاهيم متطورة جدا الى حد انها اصبحت غريبة عنا , بمفهومها الحديث كالـعلمانية والـديمقراطية فـي واقعنا الإجتماعي القديم , الذي ينتمي إلـى مكـوّن ماقبل قومي …؟ خاصة وأن هـذه الـمفاهيم هي مضامين عضوية لمـجتمعات متـمدنة ومتقدّمة ، وتبتعد عـمـّا نـحن فيـه وعليــه مراحل تاريخية …؟
ان ذاك الحراك الانساني الجدلي الذي تقيمه الديمقراطية بيننا وبين الواقع , والذي يصيغ حياتنا محملا بالاحلام والتعب والكد , من اجل تحقيق رغباتنا وامانينا بالتقدم للافضل دائماً , يفرض علينا ان نكون فرسان تلك الأشواط التي تكوّن تاريخنا : زادنا فيها الحرية وسبيلنا عليها الديمقراطية .
لكن ذلك كله , مازال مـحطّ جـدال وخلاف ؛ ولأننا متخالفون على كيفية تكوننا وطبيعة تفكيرنا , وليس مختلفين على مفهوم حياتنا وتفكيرنا , يدفع هذا واقعنا إلى أن يصير اشكالاً , حيث يُفرغ حراكنا من التفاعل , ويصير دورانا غريزيا اًعمى .
أظهرت ثورات الربيع العربي أننا واقعون فريسة التناوب بين أصولية دينية يابسة وعقيمة , وبين أصولية سلطوية مستبدة سياسيا . وهذا يؤكد بدوره اساس اشكالنا وهو أن هذه المفاهيم لا تمتلك في واقعنا بيئة مجتمعية , ولا نخباً سياسية قادرة على أخذ زمام الامور حين حدوثها .
ان مأثرة الثورات العربية كشفت مما كشفته لنا انفسنا , الامر الذي يفرض علينا أن نفهم حاضرنا التاريخي كيف يتحرك ، وماهي المكونات والعلاقات التي تشكل جدل هذا التحرك , ثانياً : أن نعمل على تأهيل هذه المفاهيم واقعياً .
لكن هناك من يعتبر ان تكليل ذلك بالنجاح , مرهونٌ بوجود العلمانية كايديولوجيا في عصب حراك المجتمع , يقول ياسين الحافظ : (الدولة القومية الحديثة , في صراعها ضد الايديولوجيا والبنى المتخلفة , كانت تدفع بالعلمانية الى السطح السياسي مع اختراقها وصياغتها سائر حيزات المجتمع ما تحت السياسية : الاجتماعية , والفكرية والايديولوجية )
سأحاول بتبسيط اخر ان افهم ما هي العلمانية , وما يقصد ياسين الحافظ هنا , هل العلمانية فيما يعنيه سبب ام غاية ..؟.
يتبع …