الرقة بوست – خليل الفريج
مدينتي حكاية، حكايةٌ عريقة، رواها أجدادنا ولا زلنا نرويها وسيرويها أبناؤنا وأحفادنا , مدينتي ليست ككل حكاية! إنما هي حكايةٌ نادرةٌ جداً وغاليةُ الثمن وليس كُلّ من قرأها فهمها!
مدينتي كانت أجملَ المدن وأرقاها وليس كما يقولون أنّ الرقة هي بلدةُ الجاهلين والرُعاة , بل على العكس تماماً هذهِ البلدة من أجمل وأرقى المُدن ولطالما كانت مفتاح بيت قصيدةٍ لشاعرٍ ما , ولطالما رُسمت بِأقلامٍ على أيدي أكبر الكتّاب والشعراء , ويكفي أنها متكأةٌ على فُراتٍ كبير يتسعُ للجميع ويحضنُ كُلّ أبناءهِ الأوفياء .
في البداية لم نكُن نتخيل بأنهُ سيحصل كُل هذا في مدينتنا, دمارٌ وخرابٌ وقتلٌ وتهجير!! لم نكن نتخيل بأنهُ وخلال مدةٌ لا تتجاوز الشهرين ستمحى ذكرياتُ سنين!
دمروا كُلّ أحلامنا وذكرياتنا المعلقة على شوارع تِلكَ المدينة , دمروا كُل شيء!! دمروا مقعد العاشقيّن في حديقة الرشيد ودمروا شارع الإزدحام في ليلةِ العيد .. ودمروا بيت العجوزين اللذان قُتِلا بقذيفةٍ كانت موجهة على الإرهابيين فناما بِعُقر دارهم الذي بنوهُ بعرقِ الجبين!!
دمروا كُلّ أحلامنا وذكرياتنا المدفونة تحتَ الضِفاف!
وقتلوا الطفولة ودمروا بيتَ الطفولة واغتالوا كُل ما هو جميلٌ مِن ذكرى وحُلم .
مدينتي الآن عبارة عن مدينةِ أشباح , لا ساكنون في الأحياء ولا عابرونَ في الطرق , ولا محلاتٌ تبيع ولا أُناسٌ يشترون ولا حتى بيوتٌ تأوي , مدينتي الآن أحياءٌ بلا أحياء! مدمرةٌ ,مهجورةٌ ومُغتالة ,ولا يسكُنها سِوى الموت ,وأُناسٍ دُفِنوا تحتَ ركامِ منزلهم .
ولكن وبالرغمِ من كلِّ ما حصل لا زلنا على أملٍ ولا زلنا على يقين بكلام اللَّه عز وجلّ ” إنَّ بعد العُسر يُسر ” صدق اللَّهُ العظيم .
وسنرجعُ يوماً إلى حيّنا ونغرقُ في دافئات المُنى
سنرجعُ مهما يمرُّ الزمان وتنأى المسافاتُ ما بيننا
وستعودُ تِلكَ الرِقّة إلى سابقِ عهدها ,شامخةً وعامرةً بأهلها الطيبين وبمحبةِ أبنائها , وسنجعلُ مِن تِلكَ المدينة جنةً لا يسكُنها سِوى الملائكة وأبناءُ النهر .
اترك تعليقاً