Views: 153 تأملات في كتاب”إدارة التوحش” لـ ” أبي بكر ناجي”(1) – الرقة بوست-Raqqa Post

تأملات في كتاب”إدارة التوحش” لـ ” أبي بكر ناجي”(1)

معبد الحسون 

ربما يكون هذا المخطوط الصغير الحجم من أخطر ما رشح وظهر للعيان عبر قرن كامل، مسطراً وشارحاً سمة مرحلة كاملة مضت، ومازالت تمر بها منطقة الشرق الأوسط والشعوب الإسلامية بخاصة. والخطورة في هذا الكتيب الصغير أنه يتكلم باسم الإسلام، وينوب عن المسلمين في شرح محتوى عقيدتهم ونظرتهم العامة إلى العالم والبشرية، ويحدد خطة عملهم المقبلة في جدول الصراع الحضاري بين الشرق والغرب. وقد ادعت الولايات المتحدة أنها عثرت عليه بمصادفة ونشرته، ومع ريبتنا الكبيرة بهذا الادعاء، نظن تظنناً أن مؤلف الكتاب هو جهة ذات مصلحة سياسية واستراتيجية ضالعة في دأب واجتهاد أن تصنع فكراً جديداً، بل إسلاماً جديداً تقدمه للعالم كله، لكي تفسر وتبرر سياسات وحروب متسلفة النية أصلاً في رهاناتها وسياساتها المستقبلية تجاه العالم الإسلامي.

يبقى ضرورياً أن نذكر بأن كاتب هذه السطور لايعتزم أن يشرح لنا ماهو الإسلام الذي يؤمن به، ولا الدين الذي يدافع عنه ويتبنى قضيته ثم يشرحها للناس، فهو على سبيل المثال لا يستشهد من أول الكتاب حتى آخر حرف فيه بآية واحدة، ولا حديث نبوي أو نص مرجعي ذي أثر ديني يُعتد به، وإن كل ما حرص عليه من خلال مؤلفه أن يشرح لنا مزايا “إدارة التوحش” كما يسميها، فهو يبسط لنا ديناً غريباً لا يكاد يعرفه المسلمون أهل السنة والجماعة، ويتحدث عن الإسلام حديثاً مروعاً بكونه ديناً قوامه إشعال الحروب وبث الكراهية وتصعيد الإنتقام دون أن نعلم ما القصد من وراء كل هذه العصبوية الحاقدة التي تسعى لأن تجعل من الجنون المحض ديناً سماوياً، وأن تنسب هذا الجنون وهذا الجنوح الكارثي نحو القتل وتدمير الحياة كلها إلى الله وإلى نبيه وإلى المسلمين عامة، وإلى الإسلام كدين. ثم أن يدعي في النتيجة التي يجعلها مُسلَّمة لا تحتاج إلى أية نقاش؛ أن هذا ما يريده الله منا نحن البشر، وأن رسالة الله في هذا الكون هي ما يخطط له من إجرام وما يقترح من أساليب عصابات قتلة جماعيين.

لا أريد ان أجادل في أن هذا النوع من الأفكار هي جزء من سياقات مؤامرة عالمية أو غير ذلك، فهذا الفكر وهذه الطبعة الخاصة جداً في النظرة إلى العالم موجودة.. كانت موجودة عبر تاريخ البشرية ولسوف تبقى موجودة طالما بقيت الأمراض العصبية ذات المنشأ الفصامي والطابع العدواني الاستئصالي، وليس مفيداً كثيراً أن ندعي بصحة نظرية المؤامرة أو أن نرفضها، فقد بات هذا الجدل عقيماً وغير ذي جدوى..

لماذا هذا النص مهم جداً..؟

لأن كاتبه كما أستطيع أن استقرئ من النص غير مهتم بالإسلام من أصله، فهو لا يمر على أي شاهد نصي من الدين(رغم دعواه بأنه ينتمي إلى المدرسة السلفية، وهي مدرسة قوام بنيتها قائم على شهادة النصوص وصحتها كما هو معروف).. ولأن كاتبه من جهة اخرى، كانطباع أولي، جاهل بأساسيات الدين الإسلامي كما يظهر.. حتى ليخيل للمرء بأن هذا الكاتب لم يطلع على الدين حتى في أساسياته المدرسية والتعليمية البسيطة، ناهيك عن أن يُعَدَّ امرأً فذ الإطلاع على دقائق العقيدة، ومُرَجِّحات النصوص ودرجة الاستبصار بها، وبقوة صحتها أو ثبوتها أو ماشابه، وذلك لو سلمنا بأن النص، كمعطى أولي، هو من تدوين طالب علم أو تلميذ امتلك ناصية الأساسيات التي لا يغفل عنها المتلقي عن علماء سلفيين في درجاتها الدنيا، فكيف يتنطع في حال من الجهل بالدين كله من أساسه ليضع نفسه في موقع المُنَظِّر الأكبر للأمة وللتيارات الجهادية..؟

كل ما نستطيع أن نؤكده هو أن السيد أبا بكر ناجي(إن كان شخصاً حقيقياً أو وهمياً أو هو تابعية مؤسسة أو دولة)، قد تحول بالإسلام، من خلال هذا الكتيب، من دين سماوي إلى لائحة إرشادات أو نظام داخلي لعصابات قتل، ومن صلة معتقدية بين الإنسان والله، كما قررها الإسلام وكما استقرت ورسخت عبر قرون إلى لائحة تعاليم عصاباتية الطابع، ولو ألزم عنوان مخطوطه ذاك حاشية من نوع:” كيف تصبح زعيم عصابة إجرام ناجح في خمسة أيام من دون معلم” لكان حقيقاً بذلك، ولم يجانب مضمون دراسته وفحوى كتابه قيد أنملة..

يقول في استهلال كتيبه ما يلي:{كتبت في موضوع سابق عن قدر الإعداد المادي الذي قام به ذلك الفصيل من فصائل العمل الإسلامي الذي نحسبه قائماً بأمر الله في هذا الزمن، والذي نحسبه سيتنزَّل عليه النصر بإذن الله ، وتطرق الموضوع إلى المشروع الذي يطرحه ذلك الفصيل للخروج بالأمة مما هي فيه من الهوان لتعود لقيادة البشرية للهداية وإلى طريق النجاة، ومقارنته بالمشاريع المطروحة من قبل باقي فصائل العمل الإسلامي والتي أصابت الشباب الإسلامي بالحيرة.}ص3

بهذه العبارات يفتتح مؤلف كتاب “إدارة التوحش” مؤلفه الصغير، حيث لا يتجاوز 106 صفحات، والذي كان، وما يزال، يعتبر دليلاً نظرياً ومرشداً لمعظم التنظيمات الأصولية “المتوحشة”. ويسمي الكاتب نفسه(أبا بكر ناجي)، ولست أعلم على وجه اليقين هل هذا اسمه أم هو اسم مستعار، بل أكثر من ذلك لا أعلم إن كان هذا الشخص موجوداً حقيقة أم هو مبتدع مسمى تختفي وراءه جهة ما أو جهاز ما.

يفترض مؤلف الكتاب جهة ما يتوجه بالخطاب إليها، فهو بكل تأكيد لا يخاطب القارىء أي قارىء كان، وأينما كان، فهو يخاطب “أخياراً” مفترضين، لكي يحسنوا التصرف ويواجهوا” أشراراً” مفترضين.. وهو يرى أن ثمة أمة قائمة(هي أمة الإسلام طبعاً)، حازت من الكمال ذروته، ولم تعد بحاجة إلى مزيد من إضافة، لا دينية ولا دنيوية، لذلك الكمال الذي وصلت إليه.. كل ماتحتاجه هذه الأمة المكتملة، والمتفوقة على ماسواها، هو“السلطات التي تحكمها”، أو “الحاكمية الشرعية”، أو“القيادة الجديرة بإدارتها”، والتي تستنقذها من براثن “حكامها العملاء للغرب الصليبي المسيحي”.. فهي إذن أمة من الأخيار يحكمها حكام أشرار، وعليه إذن، من باب أولى، أن يصنف في الإدارة والحكم خطة تتيح لأولئك “الأخيار” أن يحكموا الحكم الرشيد الذي يرضي الله أولاً، ويقدم النموذج الوحيد المحتمل والممكن لدولة ولحاكم مثالي يتربع على رأس هرم أمة عظيمة مؤمنة وخيرة.. يتابع المؤلف:{أما تيار السلفية الجهادية فهو التيار الذي أحسبه وضع منهجاً ومشروعاً شاملاً: السنن الشرعية والسنن الكونية، وعلى الرغم من أن هذا المنهج رباني إلا أن القائمين على تنفيذه بشر يعتريهم ما يعتري البشر من النقص وعدم الكمال}ص3..

من حسن حظنا إذن أن يعترف الكاتب منذ البداية، بأن أصحاب هذا التيار والمشروع هم بشر يعتريهم مايعتري البشر من النقص وعدم الكمال، فهذه نجدها نقطة لصالحنا، لأنها تفسح لنا إمكانية أن نحاورهم ونُقَلِبَ الأمر وجوهاً معهم، إذ لولا أنهم “بشر يجوز عليهم ما يجوز على البشر من النقص”، لما وجدنا سبيلاً حتى إلى مناقشة ما يكتبون وما يفعلون.. ومن حسن حظنا أيضاً أن الكاتب يعترف سلفاً بأن هنالك سنناً شرعية وسنناً كونية في هذا الكون، أي قوانين عامة ناظمة وقاهرة لا مجال لتجاوزها، أما الآخرون، أهل هذه الحضارة الحديثة، الكافرة والمجرمة والمتجرئة على شرع الله، فإنهم جحدوا تلك السنن، أو في أحسن الأحوال هم يجهلونها ولم يتوصلوا إلى اكتشافها..

يتابع المؤلف: {أقول: ومع بعض العثرات التي يمر بها مشروعهم، التي هي جزء قدري من مشروعهم لا ينفك عنه، إلا أن خطوات مشروعهم تسير كما هي مكتوبة على الورق، على السنن الشرعية والكونية الصحيحة ، بل ينالهم بفضل الله من العناية والرعاية الإلهية ما يطوى لهم فيه بعض المراحل، وهم وأعداؤهم في صراع لا ينكر أحد أنه شبيه بصراع الرسل مع أهل الكفر والطغيان، إن لم يعترف بأنه استمرار حقيقي لذلك الصراع.}ص4.

هذه اللغة، وهذا الأسلوب لا يمكن أن يكون لكاتب واحد، وأحسب أن النص قد تمت صياغة مسودة أفكاره من قبل “لجنة أمنية” في إحدى غرف المخابرات السوداء، ثم جرت إعادة صياغته على يد طلبة علم شرعي مبتدئين، فكُتِبَ على مراحل وعلى عدة مستويات، مما يفسر الاضطراب الفكري والتفكك الموضوعي الجلي في أساسيات طريقة المؤلف في تأليفه وصياغته.. ثمة إذن”عثرات”يتعثر بها مشروعهم، مع أن“خطوات ذلك المشروع تسير كما هي مكتوبة على الورق”، أكثر من ذلك فإنه“ينالهم من العناية والرعاية الإلهية ما يُطوى لهم فيه بعض المراحل”، ولعل المؤلف ينوه بالكمال المعقول الذي استكملت فيه السنن الإلهية والشرعية، والتي طبقت في الصومال وافغانستان على يد مجاهدي القاعدة وطالبان، أو في نيجيريا على يد أهل السنن الشرعية والكونية من جماعة “بوكو حرام”، أو على يد “داعش” في مناطق سيطرتها في سوريا والعراق، ونحن نعترف له بأن عناية إلهية خفية قد أوصلت مشروعه إلى مصافٍ من الكمالات التي لا تُبلغ ولا يُتوصل إليها لولا تلك العناية والرعاية..

ـ يتبع ـ

رئيس التحرير

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »
best microsoft windows 10 home license key key windows 10 professional key windows 11 key windows 10 activate windows 10 windows 10 pro product key AI trading Best automated trading strategies Algorithmic Trading Protocol change crypto crypto swap exchange crypto mcafee anti-virus norton antivirus Nest Camera Best Wireless Home Security Systems norton antivirus Cloud file storage Online data storage