بعد سيطرة مسلحي “حزب الاتحاد الديمقراطي PYD” على مدينة عفرين وريفها شمال حلب منتصف عام 2012، بدأ الحزب بفرض قرارات تعزز من سلطته داخل المدينة، وتضيق على معارضيه وعلى المدنيين الذين يعيشون في مناطق سيطرته، ومن بين تلك القرارات، إنشاء “مكتب الإقامات” بتاريخ 30 تموز من عام 2015، الذي تتواجد له أفرع في كافة مناطق سيطرة مسلحي “PYD”، وأبرز مهامه هي النظر في طلبات الاقامة في مدينة عفرين المقدمة من النازحين أو المدنيين من أصحاب قيود النفوس المسجلة خارج عفرين.
الشروط وعقوبات المخالفة
ويشترط “مكتب الإقامات” على النازح أو الراغب في الإقامة داخل عفرين، أن يكون غير مصاب بمرض مزمن أو مرض وبائي معد، وأن يكون كامل الأهلية العقلية، وأن لا يكون منتسباً أو مؤيداً أو داعماً لتنظيم مصنف محلياً أو إقليمياً أو دولياً كـ“تنظيم إرهابي“.
وعلاوة على ذلك، يشترط المكتب على المتقدم بطلب الحصول على إقامة وجود كفيل من أبناء عفرين يعرفه شخصياً،ويتحمل مسؤوليته خلال إقامته داخل المدينة بعد قبوله بكفالة الوافد، ويشترط أيضاً على الكفيل أن يكون من أبناء عفرين، وأن يكون قيد سجله المدني مسجل في دائرة نفوس عفرين، وأن لا يحمل سجلاً جنائياً وغير محكوم أو معتقل سابقاً، وأن يكون حسن السلوك والسمعة، ويمتلك على الأقل عقاراً واحداً ضمن المدينة، وأن يعرف الكفيل المتقدم بطلب الكفالة بشكل شخصي وإلا يغرم بمبلغ 100 ألف ليرة سورية ويعتقل مدة شهر واحد إن كان لا يعرفه وقبل أن يكفله، وتسحب الكفالة من الشخص المكفول.
وبعد أن يزود الوافد الراغب بالإقامة في مدينة عفرين “مكتب الإقامة” بتقرير طبي يفيد بخلوه من الأمراض المعدية والمزمنة، وجواز سفره ودفتر عائلته وصك الكفالة بعد تأمين الكفيل، تبدأ “هيئة الداخلية” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” التحقيقات والدراسة الأمنية التي تدوم قرابة شهر، وبعدها إما أن يأتي القرار بقبول الطلب، ويتوجب حينها على الوافد دفع رسوم الإقامة التي تقدر بين 3000 و 5000 ليرة سورية، ثم يتسلم بطاقة إقامة مؤقتة مدتها ثلاثة أشهر تكون بمثابة فترة اختبار للوافد، ثم يتم تمديدها بعد انتهائها وحصول الوافد على “شهادة حسن سلوك“، وعندما يرفض طلب الإقامة، يمنح المتقدم بالطلب مهلة شهر واحد لمغادرة المدينة، وإن لم يرضخ، يتم اعتقاله وتغريمه بمبلغ 50 ألف ليرة سورية يفرضه “مكتب الإقامات“.
مزاجية وتعسف في تقرير مصير “طلبات الكفالة“
أحد المتقدمين بطلب للحصول على إقامة في مدينة عفرين يبلغ من العمر 60 عاماً وهو من أهالي حي الكلاسة في مدينة حلب، قال لـNSO: بعد موجة القصف العنيف على مدينة حلب في عام 2016 نزحت زوجتي وابنتي إلى الريف، ثم قررت التوجه إلى مدينة عفرين لاستئجار منزل والإقامة هناك، لكن فوجئت بأن السلطات في عفرين تطلب أوراقاً وشروطاً للإقامة في المدينة، والموضوع لم يكن بالسهولة التي توقعتها.
وتابع الرجل: طلبوا مني تأمين شخص يكفلني من أبناء المدينة، وبالفعل عدت إليهم مع أحد إصدقائي من أبناء عفرين وتقدمت إليهم بطلب الإقامة، وبعد أيام وصلني الرد بالرفض، والذريعة أن أفراد عائلتي مقاتلين في الجيش الحر بحلب، وأخبروني أنهم لا يستقبلون أشخاصاً يدعمون التنظيمات الإرهابية، إنها نفس التهمة التي كنا نتعرض بسببها للقصف داخل مدينة حلب من نظام الأسد، كانوا يقولون عنا حاضنة للمجموعات الإرهابية، وعندما خرجنا من المدينة طالبين الأمان، طردتنا الإدارة الذاتية من عفرين بنفس الذريعة.
وأيضاً المدني (ف.ع) وهو من أبناء مدينة حلب، فر منها بعد سيطرة قوات نظام الأسد عليها أواخر العام الفائت، وقصد عفرين، قال لـNSO: تقدمت بطلب كفالة وكنت مستوفياً كافة الشروط، إلا أن الشخص الذي أراد أن يكفلني كان فقير الحال ولا يملك عقاراً ضمن مدينة عفرين، وكان هذا سبب رفض “الإدارة الذاتية” لطلب الكفالة الذي تقدمت به، كان هذا الشخص الوحيد الذي أعرفه ضمن المدينة، لم أتمكن من تأمين كفيل آخر لأن المعرفة الشخصية بين الكفيل والمكفول هي شرط أساسي.
وفي هذا السياق، يقول المحامي “ع ح” من أبناء مدينة عفرين لـNSO: إن شرط المعرفة الشخصية بين الكفيل والمكفول الذي فرضه “حزب الاتحاد الديمقراطي PYD” على الراغبين بالإقامة في مدينة عفرين، يضع حدوداً لفعل الخير ورغبة أهالي المدينة بإغاثة النازحين الملهوفين، فالكثير من أهالي مدينة عفرين الميسورين مستعدون لكفالة النازحين القادمين من المناطق الساخنة، لكن الشروط التي فرضها “حزب PYD” علينا قسراً، تمنعهم من فعل الخير، وتجعلهم يظهرون أمام النازحين عاجزين بدون حيلة، خاصة أن قوة السلاح هي التي تحكمهم وليس حزباً سياسياً أو حكومة مدنية.
ويقول مصدر مطلع في “الإدارة الذاتية” لمراسل NSO في عفرين إن “الوافد أو المقيم” يحصل على إقامة مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر بعد قبول طلبه، وتعتبر هذه المدة فترة اختبار لسلوك “المقيم“، يتوجب عليه خلالها الالتزام بقوانين وقرارات “هيئة الداخلية” التابعة لحزب “PYD”، وعدم افتعال أو المشاركة في مشاكل مهما كان سببها، وأن لا يشارك في نشاطات سياسية، خاصة مع الأحزاب السياسية المعارضة لـ“حزب الاتحاد الديمقراطي PYD”، وبعد تجاوز “المقيم” هذه الفترة بنجاح، يتم تمديد إقامته بعد تأكيد “المجلس المحلي” الذي سجلت فيه إقامته المؤقتة على “حسن سلوك المقيم“.
ويضيف المصدر أنه على “المقيم” أن لا يغادر مدينة عفرين خلال الأشهر الثلاثة في فترة الإقامة المؤقتة أو “فترة الاختبار“، وفي حال خالف هذا الشرط أيضاً تسحب منه الإقامة المؤقتة ويرفض طلبه ثم يطرد من المدينة.
المدني “ف م“من أهالي مدينة حلب أيضاً، قال لـ NSO: حصلت على الإقامة المؤقتة في عفرين بعد أن حققت كافة الشروط المطلوبة، لكن كان علي قضاء وقت طويل خارج منزلي بسبب ظروف عملي في مدينة عندان بريف حلب الشمالي، ولدى ملاحظة موظفي مجلس الحي لهذا الأمر، أبلغوا قوات “الآساييش” التي قررت بدورها منعي من دخول المدينة، وطردت عائلتي ورفضت طلب إقامتنا، وأجبرتني على دفع عشرة آلاف ليرة سورية كغرامة لمخالفي شروط وواجبات الإقامة، ورفضوا أن أتقدم بأي طعن للقرار.
مراسل NSO قال إن المدينة لا تخلو من نازحين يقيمون فيها بشكل غير شرعي بحسب القوانين التي فرضها “حزب الاتحاد الديمقراطي PYD”، وكل نازح أو غريب عن المدينة يتم ضبطه بدون “بطاقة إقامة” تفرض عليه غرامة تبلغ 50 ألف ليرة سورية، ويتم اعتقال الشخص الذي يستضيفه.
وأوضح المراسل أن من يأتي من خارج المدينة أيضاً بهدف الزيارة، عليه أن يخبر “الآساييش” باسم الشخص الذي يستضيفه، وبسبب الزيارة والمدة التي سيمكث فيها في المدينة، وعليه إما أن توافق “قوات الآساييش” أو أن ترفض طلب الزيارة.
وكان مسلحو “الإدارة الذاتية” قرروا مؤخراً منع أهالي عفرين وريفها، والمناطق التي يسيطرون عليها في ريف حلب الشمالي، من السفر إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات “المعارضة المسلحة”، ومن يخالف تلك الأوامر يتم منعه من دخول عفرين وريفها، في حين تسمح تلك القوات للمدنيين بالسفر بحرية إلى مناطق سيطرة قوات نظام الأسد دون شروط أو قيود.
نقلا عن وكالة NSO
اترك تعليقاً