الرقة بوست ـ هيئة التحرير
بتصميم مُسبَق تمّ تدمير أكثر من 80% من الرقة؛ لأنها “عاصمة دولة الخلافة” المزعومة، وبالتالي الإجهاز على رمزيّتها عقائدياً، وجعلها درساً وعبرة، تماماً كما فعل الفاعلون في الموصل.
ولكن يجب ألا ننسى إستراتيجية التحالف الدولي وشركائه على الأرض “قسد”، التي بُنيت أساساً على الخنق عزلاً، ثم الانقضاض على مدينة أضحت خلاء إلا من جثث تحت الأنقاض، وموتاً يتربّص بمن يحاول العودة من أهلها المنكوبين، بينما هُرّب كثيرون من داعش، وهرب منهم أكثر، أو تحوّل من لون أسود إلى أصفر، كأنهم كلمتان “حجر الذهب”.
فقرار التدمير كان أولاً، وما جاء تالياً كان تحصيل حاصل، وإن كان الضامن هنا أمريكا، فلا ضامن يصدق في دفع فواتير مُستحقّة تجاه السوريين، وغالباً ينطبق على الجميع في هذا الموقف قولهم ” على الوعد يا كمّون “! لأن ماكغورك مبعوث الرئيس الأمريكي وعد كثيراً، ونسّق مع “المرحوم” عمر علوش مسؤول العلاقات الخارجية في ( قسد ومجلس رقّة المدني )، وأعطى من الخطط ما يحيي الأمل، وأعلن من البرامج ما يجعل من الرقة مدينة الأحلام بضغطة زِر! فالانتخابات والمجالس والتعليم والصحة أوّل الأولويّات، ولكن في الأقوال لا الأفعال!
وأمّا التعمير فهو الاستحقاق الذي رُبِطت به الرقة شرطاً، لتكون ضمن الحلّ العام للقضية السوريّة وفقاً لقرارات مجلس الأمن وما سينتُج عنها، علماً أن كثيراً من العقود قد أُبرمت، والعديد من المشاريع أُعِدّت، ولكن بقيت عودة المدنيين مؤجّلة إلى حين رفع الأنقاض ودفن الجثث وإزالة الألغام، وتأمين الماء والكهرباء والغذاء وتقاسم حصص الكعكة السورية بعيداً عن أهلها.
لقد كان تدمير الرقة مُمنهجاً وحشيّاً همجيّاً حقّق هدفه غير المعلن، بإفراغ المدينة من سكانها، وإنهاء الحياة فيها، وجعل تأهيلها أمراً لا يتمّ تحقيقه إلا بشديد العناء وقسوة الشروط والمتطلّبات. وهو ما يدفع بأهل الرقة للتفكير مليّاً بأهمّية وفاعلية دورهم، وأساسيّة فعلهم، فلا تعمير إلا بهم فكراً وجهداً، ولا أمل في مستقبل لبلدهم إلا بتغليب مصلحته على مصالحهم، وجعل بوصلة العودة المنتجة اتّجاهاً لفعلهم قبل قولهم، ونَبْذ ما يشتّت ويزيد في الفرقة، لأن التعمير يبدأ بأهل البلد أنفسهم واجتماعهم على ما فيه خير الجميع، لا سباق أنانيّ على مكاسب شخصية، ومشاريع تضرّ أكثر مما تنفع. فإن كان التدمير مفجعاً، والتهجير مؤلماً، فلا بدّ أن يكون التعمير جاداً ومثمراً.
اترك تعليقاً