هيئة التحرير
كانت الرقة عبر التاريخ محطّ اهتمام محيطها بها، فما من حرب إلا ولها فيها ذِكْر، وما مرّ بها غازٍ إلا وخُذل فرَحل ، وما من سلم إلا ولها فيه يد، دمّرت مرّات ونهضت أبهى وأصلب، وظلّت عنواناً لا جمالَ دونها يكتمل.
في العصر الحديث جاء 17 كانون الثاني 1921، لتكون الرقة آخر أرض عربية يدخلها الفرنسيون، إذ لم تستطع القوات الفرنسية من 10 آب 1920 دخولها، وبقي العلم العربي خفاقاً 17شهراً.
شاركت الرقة في كل نضالات السوريين ضد الاستعمار، ودفعت ضريبتها من دماء أبنائها من أجل أن تحقق سورية الاستقلال والحرية 1946 وجلاء الفرنسيين.
لم تكن مهمّشة إلا عندما سيطرت العصابة الأسدية على سورية؛ فموقع الرقة جعلها على الدوام قلباً للأحداث والصراع حولها عليها. ومع ثورة الحرية والكرامة كان موعدها الأثير، لتكون أول محافظة تخرج عن سلطة القتلة، بعدما قدمت من الدماء والشهداء الكثير. يمكننا القول إن ما جرى ويجري في محافظة الرقة دليل على أهمّيتها الجيوسياسية لجميع القوى التي تناوبت عليها منذ بداية الثورة، بل هي مشهد مصغّر لتداخل أدوار ومصالح القوى المحلية والإقليمية والدولية منذ سقوطها بيد الكتائب الإسلامية، وبعد ذلك تنظيم داعش الإرهابي، وصولاً إلى ميليشيات (ب ي د وقسد) المدعومة من التحالف الدولي والمرتبطة بالنظام في الوقت نفسه.
لقد كان لغياب الدولة وصعود مفاهيم ما قبل الوطنية، أثره الواضح في تطوّر مجريات الأمور، واستمرار الرقة التي دُمّرت بنسبة 80% وهُجّر أهلها وشُرّدوا نهباً لأطماع أصحاب المشاريع الصغيرة والرؤى الضيقة المرتبطة بالنظام أو بغيره من قوى الأمر الواقع، وابتلاءً بزمرة ممّن سيطرت عليهم عقلية “البعث” و “القائد”، ولم يتمكّنوا من ملاقاة استحقاقات المرحلة، ولم يستوعبوا متطلّباتها، فكان همهم مصالحهم، وأقصى طموحاتهم صراعهم على مجالس محلّية لم يستطيعوا تفعيلها بقدر ما ” افتعلت مصالحهم والخصام بينهم “! فلم يوحّدوا رأياً، ولم يتّفقوا على ممثّل أو صوت يتحدّث باسمهم، ويرفع شكواهم ومعاناتهم لمن يمكنه الفعل، بل إن أكثرهم لا يحمل رؤيا لما يريد لبلده أو رسماً لمستقبل يعمل لأجله.
فما أجدر الرقة بالحرية، ونحن نقترب من الذكرى 72 للاستقلال، وبتوحّد كلمة أهلها، وخلق قيادة رشيدة قادرة على جمعهم، وهم في أدق مراحل تمر بها محافظتهم! وإنهاء ارتباطهم وارتهانهم بمشاريع ليست في صالح مستقبل محافظتهم، والعمل على أن تكون الخبرة والعلم والقدرة فيصلاً، لا العشيرة والداعم والارتباط.
اترك تعليقاً