خطط أمريكية لاستثمار نجاحات الأكراد… محاصرة الرقة وتزويد 15 فصيلا بالذخيرة…
إبراهيم درويش
القدس العربي
لندن ـ «القدس العربي»: تتزايد الضغوط على الإدارة الأمريكية للانخراط أكثر في سوريا وسط تحركات روسية واعتراف الحكومة السورية بتلقيها مقاتلات روسية الصنع لاستخدامها في الحرب ضد «تنظيم الدولة».
وآخر الضغوط على إدارة الرئيس أوباما جاءت من ديفيد بترايوس، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه» السابق.
وفي أول شهادة له أمام الكونغرس منذ استقالته من «سي آي إيه» عام 2012 أخبر بترايوس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس إنه يجب إنشاء مناطق آمنة في شمال سوريا يحميها طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «تنظيم الدولة» وتعمل من داخلها المعارضة المسلحة ويعيش فيها المشردون السوريون.
واقترح بترايوس قيام الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات عسكرية لمنع الطيران السوري من رمي البراميل المتفجرة على المناطق المدنية. وطالب في الوقت نفسه بزيادة الجهود لمواجهة «تنظيم الدولة» خاصة في العراق وبحث فكرة إرسال فرق عسكرية صغيرة تكون مسؤولة عن توجيه الغارات الجوية.
سياق عسكري وأمني
وانتقد بترايوس بشدة الولايات المتحدة والدول المشاركة معها لأنها لم تحقق النفوذ الكافي للضغط على نظام الرئيس السوري بشار الأسد بشكل يدفع باتجاه الحل السياسي للحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ عام 2011.
وقال الجنرال السابق «كثيرا ما يقال إنه لا حل عسكريا للحرب في سوريا والحروب التي تدور في الشرق الأوسط» و»قد يكون هذا صحيحا ولكنه مضلل في الوقت نفسه، لأن هناك حاجة لسياق أمني وعسكري في كل حالة إن أريد التوصل لتسوية سياسية»، مشيرا أن «هذا السياق لن يتحقق بنفسه، ونحن وشركاؤنا بحاجة لتسهيله وهو ما لم نفعله خلال السنوات الماضية». وتشيرالصحافة الأمريكية إلى الاجتماعات التي تعقدها إدارة باراك أوباما هذا الأسبوع للبحث في طرق تقوي فيه الحملة ضد «تنظيم الدولة».
ويتركز التفكير الأمريكي على كيفية استثمار الإنجازات التي حققها الأكراد السوريون في شمال العراق.
فقد استطاعت قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الكردستاني بمساعدة من طيران التحالف والقوات الأمريكية الخاصة دحر مقاتلي «تنظيم الدولة» من منطقة تمتد من جنوب تركيا وشرق الفرات، بدءا من بلدة عين العرب/كوباني. وتدرس الإدارة فكرة توسيع الدعم لـ15 ميليشيا عربية والتي يصل عدد مقاتليها حوالي 5.000 مقاتل.
وستوفر الولايات المتحدة الذخيرة وليس الأسلحة على أمل أن تعمل هذه إلى جانب القوات الكردية وتندفع جنوبا باتجاه مدينة الرقة «عاصمة الخلافة».
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤول أمريكي بارز قوله «السؤال المهم هو إن كنا سنعثر على قوات إضافية مؤهلة» للدعم الأمريكي وتكون قادرة على «تشديد الخناق على الرقة».
ومن الأفكار المقترحة وتناقش الآن تدريب مجموعة صغيرة من مقاتلي المعارضة السورية، كي تكون قادرة على استدعاء الطيران ودمجهم في الفصائل السورية الأكبر.
ولم يتم اتخاذ قرارات بعد في هذا الشأن لكن المسؤولين يخشون من التحركات الروسية ومن الخطاب الذي سيلقيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، والذي قد ينتقد فيه الحملة التي تقودها الأمريكية ضد الجهاديين.
عدم التورط
وفي الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة مواجهة «تنظيم الدولة» من دون التورط في «مستنقع» سوريا إلا أن نقاد الإدارة يقولون إنها تخلت عن المبادرة لصالح إيران وروسيا.
وفي هذا السياق علق بترايوس على «التصعيد العسكري الروسي في سوريا ما هو إلا تذكير آخر أنه عندما لا تبادر الولايات المتحدة يقوم الآخرون بملء الفراغ بطريقة تضر بمصالحنا».
وعبر بترايوس عن شكوكه بتعاون روسي مع الولايات المتحدة لمكافحة «تنظيم الدولة». ويرى أن التعزيزات العسكرية الروسية تهدف لحماية القواعد العسكرية الروسية ما بين اللاذقية وطرطوس وتقوية الأسد، على الأقل حتى يتم العثور على بديل مقبول للكرملين.
وعن كيفية حماية «الجيوب» الآمنة قال بترايوس إن المعارضة المعتدلة ستتولى حمايتها وبدعم من الطيران الأمريكي، وربما مجموعة صغيرة من المستشارين الأمريكيين. ويرى بترايوس أن «السنة في سوريا لن يكونوا مستعدين للمشاركة حتى نلتزم بحمايتهم وبقية الشعب السوري ضد كل الأعداء وليس تنظيم الدولة» أي الأسد وبراميله المتفجرة.
فشل في العراق
ويأتي التركيز على الجبهة السورية، بعد عام من توسيع الحملة إليها، ولهذا فالجمود على الساحة العراقية يدفع إدارة أوباما إلى وضع خطط قوية ضد «التنظيم» في سوريا، حسب وصف صحيفة «واشنطن بوست».
وستبدأ الجهود بزيادة الضغوط على الرقة. وهو ما يعبر عن تحول مهم في استراتيجية الإدارة تجاه سوريا منذ عام، حيث ركزت الإدارة على مواجهة «تنظيم الدولة» في العراق.
وأضافت الصحيفة أن مجلس الأمن القومي الذي يدرس الخيارات الجديدة في سوريا سيجتمع خلال الأيام المقبلة، كي يستثمر ما قالت إنها انجازات قامت بها قوات غير نظامية. وتفكر الإدارة في تخفيف إجراءات التقييم الأمني وتوسيع دائرة الفصائل التي يمكن التعاون معها، مما سيعمق من تورط الولايات المتحدة في الحرب الأهلية.
وتعتقد الصحيفة أن توجها كهذا قد يرفع الكثير من القيود على وزارة الدفاع وبرنامجها لتدريب المعارضة الذي عانى من مشاكل منذ الإعلان عنه العام الماضي. فبدلا من تعريض المقاتلين السوريين لسلسلة من المقابلات والفحوص قبل وأثناء التدريب، فقد يقصر المسؤولين الأمريكيين عمليات التدقيق على قادة الوحدات. وقال مسؤول «الأمر المهم هو توفير طلقات لهم».
وتربط الصحيفة التوجه الجديد بحالة الإحباط من الوضع الميداني في العراق، حيث توقف هجوم القوات العراقية على مدينة الرمادي، وقد لا يتم الهجوم على الموصل الذي خطط له هذا العام إلا بعد رحيل أوباما عن البيت الأبيض.
ويرى مسؤول آخر «لدينا فرص (في سوريا) لم نكن نعتقد أننا سنحصل عليها. ولدينا فرصة للتقدم نحو الرقة» وأضاف «لدينا فرصة للسيطرة على كل المناطق الحدودية مع تركيا من «تنظيم الدولة» ولم نكن نعتقد أننا سنفعل هذا».
وبحسب التفكير الجديد فسيتم عزل مدينة الرقة ومنع قادة «التنظيم» من تحريك قواتهم ما بين سوريا والعراق.
ويأمل الأمريكيون من تكرار ما فعله الأكراد حيث أجبروا «التنظيم» على الخروج من مناطقهم ووضعوه في حالة دفاع عن النفس وحرموه من تعزيز قواته والتجارة عبر الحدود التركية.
وفي حالة نجح الأمريكيون بدفع تحالف من الفصائل العربية للتعاون مع الأكراد والدفع باتجاه الرقة فستكون المرة الأولى التي تقدم فيها أمريكا السلاح مباشرة لجماعات سورية مقاتلة.
وكان برنامج البنتاغون محلا للنقد، خاصة بعد اعتراف قائد القيادة الوسطى الجنرال لويد أوستن بأن عدد المقاتلين السوريين الذين دربتهم الولايات المتحدة ويقاتلون ضد «تنظيم الدولة» ما بين 4-5 مقاتلين.
وتحاول الإدارة الحصول على إذن من السلطات التركية لاستخدام قاعدة أنجريليك وإرسال طائرات مقاتلة تحكم إغلاق الحدود التركية – السورية.
وترى إدارة أوباما أن هناك فرصة لتحقيق نجاح في سوريا في ضوء تضاؤل الآمال باستعادة الرمادي التي يجد الجيش العراقي صعوبة في التقدم نحوها بسبب حقول الألغام وعدم توفر فرق لتفكيك الألغام.
وتنقل عن مسؤول أمريكي قوله إن العراقيين لم ينتهزوا الفرص التي فتحها لهم القصف الأمريكي. كما أن مقتل قائدين كبيرين في القوات العراقية أثر على عمليات التقدم نحو المدينة.
وكان الرئيس أوباما قد ألمح إلى إمكانية موافقته على إرسال طائرات أباتشي أو وحدات من القوات الخاصة، مما يعطي القوات العراقية الثقة بالنفس.
مشاكل
وحذرت الصحيفة من بعض القصور في التفكير الجديد فهو لا يعرض حياة الجنود الأمريكيين للخطر لكن توفير السلاح للمقاتلين لا يمنع من وقوعه في الأيدي الخطأ، كما أن زيادة الدعم للأكراد قد يؤدي لغضب الأتراك الذين يرفضون ولادة أي كيان كردي على حدودهم.
ولا أحد يضمن فيما إن كان الدعم العسكري للمعارضة سيؤدي إلى نتائج. فـ»تنظيم الدولة» الذي أضعفته الغارات الجوية المتكررة لم يفقد زمام المبادرة واستطاع القيام بحملات عسكرية ناجحة في شمال- غرب البلاد.
وهو ما يعطي فكرة أن الغارات الجوية التي شنها التحالف الأمريكي على سوريا لم تحقق أهدافها بعد.
انشقاق
والفشل واضح في برنامج تدريب المعارضة حيث نقلت صحيفة «التايمز» البريطانية عن محمد الضاهر قوله إن المجموعة من 71 مقاتلا والتي دخلت سوريا يوم الأحد بقيادة الميجر أنس إبراهيم، المعروف بـ»أبو زيد»، قامت بتسليم أسلحتها لـ»جبهة النصرة» لضمان عدم اعتقالهم أو ملاحقتهم.
وقالت قيادة الفرقة 30 إنها فقدت الاتصال مع الميجر إبراهيم «كقيادة في الفرقة 30 ننكر الاتصال مع «جبهة النصرة» ولسنا متأكدين أن ما حدث للميجر أنس إبراهيم صحيح لأننا فقدنا الاتصال معه».
ونشر الميجر إبراهيم بيانا على وسائل التواصل الاجتماعي زعم فيه أن اسم مجموعته الجديد هو «فصيل مقاتلي أتارب» ولم يعد له صلة بالأمريكيين.
وقال «نقاتل على الأراضي السورية من دون تنسيق مع التحالف الدولي وسنظل نقاتل داعش والأسد حتى تتم هزيمة الشر».
وقالت الفرقة 30 إنه في حالة تم التأكد من هذا فستتم محاكمة الميجر أنس إبراهيم بتهمة الخيانة. ونقل موقع «دايلي بيست» عن مسؤولين في البنتاغون والقيادة المركزية قولهم إنهم لا يعرفون عن انشقاق المقاتلين ولكنهم اعترفوا أن الجيش الأمريكي لا يتصل مع المجموعات من «القوة السورية الجديدة» كما يطلق عليها حالة دخولهم سوريا.
وبحسب عمار الواوي المتحدث باسم المجموعة قوله «لا أنفي أو أوكد حدوث الانشقاق، ولو كان صحيحا إلا أنه متوقع فقد حذرنا المسؤولين عن البرنامج». وقال إن «طلبا من القيادة العامة للفرقة 30 بتوقيف أنس إبراهيم قبل انتهائه من التدريب لأننا تلقينا معلومات بأن هذا سيحدث إلا أن المسؤولين عن البرنامج رفضوا توقيفه».
ونقل الموقع عن مصدر داخل «جبهة النصرة» قوله إن أبو زيد ليس وحده من انشق، ولكن هناك عناصر أخرى في «القوة السورية الجديدة» سلمت أسلحتها لـ»جبهة النصرة» حال دخولها الأراضي السورية وتحديدا في بلدة الأتارب. وقال المقاتل الهولندي أبو سعيد الحلبي «لقد تم اعتقال أفراد الفرقة 30 عندما دخلوا سوريا» وأضاف أن قائد المجموعة كان يخطط للانشقاق عن الفرقة 30 واقترح تسليم معدات عسكرية مقابل الحماية والحرية.
وهاجم الولايات المتحدة وسيقاتل ضد نظانم الأسد رغم تعاقده مع الولايات. وفي المقابل شكك البعض بهذه القصة وقالوا إنها محاولة من «جبهة النصرة» للتضليل وإضعاف البرنامج الأمريكي الذي يعاني من مصاعب.
ويرى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن «هذه دعاية من النصرة» وأكد مسؤول أمني أمريكي أن «لا أحد انشق» مع أنه لم يستبعد القصة وقال «يجب أخذ القصة بنوع من الشك».
وفي حالة تأكدت قصة أبو زيد فإنها تأتي بعد 48 من خروج قائد الفرقة 30 محمد الضاهر من برنامج التدريب الأمريكي، حيث تحدث عن ست مشاكل يعاني منها بما فيها «بطء تطبيق البرنامج» و»غياب الجدية» و»غياب الدقة وأسلوب اختيار الفريق».
وفي الوقت نفسه أشار موقع «بلومبيرغ» أن الجنرال جون ألن الذي عينه أوباما للإشراف على جهود مكافحة «تنظيم الدولة» سيغادر منصبه خلال الأسابيع المقبلة، وهو قرار متعلق بإحباطه من سياسة البيت الأبيض ومرض زوجته. ويشير الموقع أن برنامج تشكيل «القوة السورية الجديدة» عانى منذ بدايته من نكسات، ففي بداية شهر آب/أغسطس خسرت البنتاغون أول دفعة مكونة من 54 مقاتلا عادوا إلى سوريا بعد إنهائهم التدريبات.
وفي الأسبوع قال الجيش الأمريكي إنه لا يعرف مصير 18 مقاتلا وآخر معتقل. ويقول المتحدث باسم الفرقة 30 «لا نريد فشل البرنامج لكن المسؤولين الأمريكيين رفضوا العمل مع الضباط الذين انشقوا عن الجيش السوري والذين عبروا عن اهتمام بالتعاون.
ويرى كريس هارمر، المحلل في معهد دراسات الحرب في واشنطن «هذا دليل على عدم تماسك السياسة السورية والتي عادت بنتائج عكسية» و»الفرقة 30 تعتبر فشلا ذريعا، لقد أنفقنا الكثير من المال، وحتى هذا لا يهم، ولكننا ضيعنا حسن النية، ففي كل يوم تتقبل فيه الولايات المتحدة بقاء الأسد، ولم يبق لدينا أي حسن نية، فنسبة 9% من السوريين تريد رحيل الأسد، ولهذا السبب لا ترى نسبة 90% من السوريين في أمريكا طرفا ذا مصداقية لبناء المستقبل»
إبراهيم درويش