الأحد. سبتمبر 14th, 2025

الرقة بوست – خاص

فرات الرقي

يتعرض المجتمع العربي في شمال محافظة الرقة إلى حرب قذرة متعددة المصادر والأهداف. تأخذ هذه الحرب صوراً عديدة لعل أبرزها التجويع وحث المشاحنات والصراعات العائلية والعشائرية ولا تقف عند ترويج المخدرات وتوزيعها مجاناً على المتعاطين. حرب تستهدف تفتيت النسيج الاجتماعي للمنطقة وإضعافه عنصرها البشري وتفريغها من قواها الحية، الشباب منها بوجه خاص، لا سيما مقاتلي الجيش الحر والشباب المدنيين المتعاطفين مع الثورة.

تعتبر منطقة شمال الرقة، منطقة تل أبيض تحديداً ذات التركيبة العشائرية، منطقة عربية فاصلة بين بلدتين كرديتين على الحدود الشمالية لسورية مع تركيا وهذا منبع أهميتها بالنسبة لقوى الأمر الواقع المسيطرة الآن على المنطقة، ميليشيا حزب PYG الكردية.

فمنذ سيطرتها على منطقة تل أبيض في حزيران 2015، بغطاء عسكري وسياسي من التحالف الدولي، والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، شرعت الإدارة السياسية في هذه الميليشيات في سياسية إعلامية ممنهجة استهدفت البيئة العربية بأن وصمتها “بالداعشية”، وبناءً على ذلك عملت على تهجير آلاف المواطنين ودمرت بيوتهم وصادرت أرزاقهم وأراضيهم. وفي المقابل عملت هذه الميليشيات على استقطاب بعثيين ومتعاملين مع الأجهزة الأمنية للنظام السوري وجعلت منهم شركاء سياسيين واقتصاديين وإداريين لها؛ فأحدثت بذلك شرخاً بين عائلات وعشائر المنطقة، عادت وغذته عبر تسليح عدد من العائلات والعشائر العربية الموالية لنظام بشار الأسد. ويبدو أن وجهة هذا السلاح ستتحول قريباً إلى لتقاتل جبهة ثوار الرقة ولواء ثوار الرقة اللذين يتواجدان في جزء من هذه المنطقة.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية شهدت هذه المنطقة، وهي منطقة زراعية ومنتجة لعدد من الغلال على رأسها القمح والشعير والقطن والخضار، حصاراً اقتصادياً تزامن مع انهيار القدرة الشرائية للمواطنين بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار. وقد نتج هذا الحصار عن احتكار ميليشيا PYG لكل أشكال التجارة في مناطق سيطرتها إضافة إلى تحكمها بتوزيع الوقود وسيطرتها على المعابر الحدودية مع تركيا والعراق. ومما يزيد الأزمة الاقتصادية حدةً فصلُ منطقة تل أبيض عن باقي محافظة الرقة بخط جبهة مع تنظيم داعش الذي يسيطر على مركز المدينة وأرياف المحافظة الغربية الشرقية والجنوبية.

وظهرت خلال الفترة الماضية حرب قذرة وخفية من نوع آخر هدفها الأول هو مقاتلي الثورة في المنطقة وشبابها عموماً؛ حرب مستترة وخبيثة تتوسل المخدرات لتفتيت بنية المجتمع وإغراق شبابه بالبحث عنها وتعاطيها. يقول “أبو الليث”، وهو مقاتل سابق في جبهة ثوار الرقة خرج إلى تركيا منذ فترة قصيرة: “إن الحصول على حبوب مخدرة أسهل وأرخص من الحصول على ربطة خبز هنا… أعرف شباباً يحصلون على المخدرات مجاناً من الأكراد”. وكان بعض الشبان المقصودين بكلام أبو الليث منتمياً إلى جبهة ثوار الرقة قبل أن يتم طردهم منها إثر تحولهم إلى الإدمان على الحبوب المخدرة. لكنهم، حسب قول أبو الليث، “لا يزالون يحملون السلاح ويرفعون علم الثورة . تعال شوفهم في قرية (الشركراك)!! وتعال شوف أذاهم على الناس”.

أبو الليث لا يعرف حقيقة المصدر الأساسي لهذه المخدرات، لكنه يؤكد أن “الأكراد” يوفرونها لمن يرغب في تعاطيها، كما يبدو متأكداً من حقيقة دوافع مروجيها بين شباب جبهة ثوار الرقة: “تدمير الشباب وتحويلهم إلى “(خناثي ودياييث) يركضون وراء لذاتهم ويدوسون على كل شيء في طريقهم”. إلّا أنه يشير أيضاً إلى اسماء اشخاص وعائلات محددة في المنطقة ارتبط اسمها بتجارة المخدرات عبر البوابة الحدودية وبالاشتراك مع مسؤولي استخبارات النظام السوري. يقول أبو الليث: “هؤلاء كانوا شركاء النظام لما كان على ظهور خيله… ويمكن أن (الأكراد) استفادوا من وجود هذا الشبكات ووظفوها لأغراضهم”.

لا يستطيع أبو الليث تحديد مدى حجم وانتشار تعاطي المخدرات في هذه المنطقة، لكنه يضيف “أعرف وسمعت عن العشرات ممكن أصبحوا مدمنين، وكلهم من أبناء المنطقة”. وهو بذلك يعبر عن قناعته أن المستهدف هو شباب المنطقة وأن الهدف هو إفراغها من أي قوة بشرية محتملة دون التورط بالمزيد من عمليات التهجير التي قد تستجر لوم القوى الدولية الراعية لميليشيات PYG الكردية.

تل أبيض إذاً مستهدفة بشراً وأرضاً، ليس بالتهجير الصامت والحصار والتجويع بل بالمخدرات أيضاً، وهذه مسألة جديدة على المنطقة وتحدي كبير يواجه أبناءها. وهو تحدي يتطلب من سكان المنطقة ومن جبهة ثوار الرقة اليقظة والعمل على عزل هؤلاء المدمنين والمتعاطين اتقاءً للأذى الذي يمكن أن يسببوه لشباب المنطقة جميعاً، كما يستلزم العمل على ردع الميليشيات الكردية عن هذه الأفعال الدنيئة والقذرة.

 

 

By

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *