الأحد. سبتمبر 14th, 2025
صورة تعبيرية من الارشيف

فرات الرقي

 

يتردد كثيراً هذه الأيام سؤال: “مَنْ سيُحرر الرقة؟”. سؤال يستبق ما بدا، بعد انسحاب تنظيم داعش من تدمر، سباقاً نحو الرقة بين ميليشيات PYD ورعاتها الأمريكيين من جهة والنظام السوري وراعييه الروسي والإيراني من جهة أخرى. المؤسف أن السؤال يُوضع بهذه الصيغة الساذجة، لكن المفخخة، وكأن التحرير هو مجرد عملية عسكرية يخوضها طرف لدحر طرف آخر وطرده من هذا المكان. لكن مفهوم التحرير شيء مختلف عن مجرد إحراز نصر عسكري، مفهوم التحرير ليس مفهوماً عسكرياً، بل مفهوم سياسي. وتالياً، فإن سؤال مَنْ سيُحرر الرقة هو سؤال زائف وفخ لصرف النظر عما يجب أن يكون عليه التحرير. لنقلها صراحة: “لا يحرر الرقة إلّا أبناؤها”. عدا ذلك فإن كل من يدخلها بالقوة العارية ودون رضى أهلها فهو غاز ومحتل.

السيناريو الأقرب للترجيح في ما يخص الرقة في الأيام والأسابيع القادمة هو أن تقوم قوات التحالف الدولي، الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، بإنهاك تنظيم داعش عبر ضربات جوية مكثفة لتُمكن ما يُسمى “قوات سورية الديمقراطية” من دخولها بأقل قدر ممكن من الخسائر. هذا السيناريو يساعد الأمريكيين وأدواتهم المحلية- وخاصة الزبون والعميل الأكثر ولاءً المتمثل بميليشيات PYD الكردية، من تعزيز حضوره وزيادة شرعيته، بمعايير غربية، كطرف محارب للإرهاب وعلماني وديمقراطي وأيضاً بمعايير غربية-في تسويق الحل السياسي الذي يلبي احتياجات أطراف دولية وإقليمية عديدة، لكنه لا يلبي الحد الأدنى من مطالب السوريين المنخرطين في الثورة منذ أكثر من خمسة أعوام. وليس هذا “الحل السياسي” سوى محاولة فرض أو ترجمة وقائع القوة على الأرض وتحويل النتائج العسكرية إلى حصائل سياسية. فالأمريكيون وراء الأكراد والروس والإيرانيون وراء النظام والأتراك والسعوديون وراء بعض الفصائل الإسلامية يريدون الوصول إلى صيغة توازن عجز وضعف من كل السوريين ومن ثم دفعها للموافقة على صيغة حل نهائي لا غالب فيه ولا مغلوب.

هذه التصورات للحل هي ترجمة لورقة “مؤسسة رند” الأمريكية. التي لا يبدو أنها مجرد ورقة من مؤسسة بحثية فحسب، بل الأرجح أنها صيغة ما تراه الإدارة الأمريكية حلاً سياسياً في سورية. وهذا التصور يضمن لها دوراً أساسياً سياسياً وعسكرياً وأمنياً لأمد طويل في سورية حتى لو تحقق هذا التصور للحل السياسي سواء عبر وكلائها الأكراد أم عبر الحضور المباشر عسكرياً من خلال القواعد العسكرية التي أنشأتها حتى الآن في شمال سورية-القامشلي وعين العرب والجلبية أخيراً.

فإذا عدنا إلى سؤال “من سيُحرر الرقة؟” الزائف والملغم، فإن خير إجابة تنبع من حاجات وتضحيات السوريين من أجل سورية حرة وديمقراطية وموحدة وسيدة، هو القول إن أبناء الرقة من سيحررها، وإن أي نصر عسكري يحققه التحالف الدولي على تنظيم داعش لا يجب أن يُترجم لصالح الأطراف والقوى المعادية لحرية السوريين ووحدة سورية وسلامة سيادة الدولة السورية على كامل التراب الوطني السوري. فالأغلب أن تنظيم داعش سيتبدد من الرقة كما تبدد في تدمر، لكن هذا لا يجب أن يتحول إلى واقع نهائي علينا القبول به. فما نزال بعيدون عن تحقيق الحد الأدنى مما خرجنا من أجله.

كذبة داعش المُشكّلة من مرتزقة مجلوبين من مختلف أصقاع الأرض سـتهزمها كذبة PYD المُشكّل من مرتزقة قادمين من أصقاع أخرى من هذا العالم المنافق، ولسنا مضطرين لأن نحزن لهزيمة إرهاب السلفية الجهادية هذه أمام إرهاب مرتزقة قادمين للأسباب ذاتها، لكن بغلاف مختلف.

نحن أبناء الرقة نحتاج اليوم، كما كنا دائماً، لأن ننخرط أكثر في العمل السياسي والعسكري المباشر في محاولة التأثير في نتائج ما يجري على الأرض، ولا يبدو أن ثمة مخرج آخر حتى الآن. المزيد من التنظيم والمزيد من التوحد هو ما نحتاجه اليوم.

By

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *