السبت. أكتوبر 18th, 2025

الرقة بوست – مقالات رأي 

الثـــــــــورة والفــــــــوضـى

أديب البردويل

 محقٌ وظالمٌ فـي آن واحد من يتهم الثورة ، بأنـّهـا تنـطــوي علـى الكثــير مـن الـفــوضى واللامنـطقــي واللامعقــول . هـذه النعـوت الــتي وصــلت إلـى حـدّ التهكـّم ، تنتسـب إلـى نوايا مـختلفـة منهـا مـا هـو حســن النيـّـة رغم افتقاده للمعرفة ، والبــاقـي سيء النفس وينطوي على عداء للثــورة . لكن اختلافهما لا يعطي حسن النية براءةً , ولا يعفيها من انها تخدم أعداء الثورة ، كلاهما يـذهبـان في هذه الحال إلـى خــانـة العصــابة الأســديـّـة . هــؤلاءالـحاملـون علـى الثــورة ولذين يتلبّسون تسمية التيـّـار أو الرأي الثــالث ، لن يعدو كونهم , وعوا ذلك ام لم يعوه , سـوى الـخنــدق الـخلفـي لقتل الشعب السوري ، وهــم فـي غـالبيتهــم مـن الـذين قــد شــكّـلــتْ ذهنيتهم مفاهيم أمثال ٍ ســاذجة ٍ وسخيفة , أنتجتها حارات { كل من ايدو إلو } . هذه التجمعات الذهنية الأمثالية التي تضج بها مجتمعاتنا المتخلفة , لم تكن بعيدة عن معنى مفاهيم المُثل فحسب , بل كثيراً ما كانت تبدي موقفاً غير ودي , إن لم نقل عدائياً إتجاهها . وقـد انضـم إليهـا الكثـير مـن الإنتهازيين والـمتسللين بيـن الـخنــادق ، لـيحصــلوا علـى صـك بـراءة ، ينقـذهم مـن لاإنتمائهم عند انتصار الثورة . إلـى كـل هــؤلاء وغيــرهم أقــول : الثـورة لا تـدّعـي النقــاء ، لأنها مكونة من حـمم تراكمت على مدى خـمسين عاماً وأكثر من القهر والذل واحتقار الإنسان ، ولم تكن على بال أحد من الأحـزاب أو الآيديولوجات أو التيارات الفكرية ، ولأنها لا تنتمي إلا إلى مجتمعها المتخلف لم تدعي بأنها سليمة وطاهرة , ولا الذين يعرفون قصة الإنسان في مجتمع كالمجتمع السوري يتوقعون غير ذلك , المجتمع الذي تـمكّنت عائلة الأسد عمداً ونهجاً من تـحقيق إصابات بالغـة في زوايا كثيرة من جوانبه الـذهنية والأخلاقية ، بغية القضاء عليه بعد استباحته . إن الثــورة ياسادة ليسـت تلـك الجميلة الـمتأنّقــة والـمعطـّــرة ، والـتـي إن مشت فـي شوارع الشام سيتغيـّـر كـل شيء غــزلاً ومـلاطفـةً ، وأنتم تشــربون الشاي ، دون أن يعكّــر مـزاجــكم أحـد . إن الثــورة كانـت ومـازالــت مـن طينة فقراء الأرض ، وأوّل مــا يـخطـر علـى البـال حـين تعــريفها بـأنهــا : بـركــانٌ أوزلزالٌ أوإعصــار ، ، بل هـي أكثـر مـن ذلـك بكثــير لأنها قـد تـدوم ســنوات ، ليس بسبب حبها للموت والدمار بل بسبب مقاومتها لهما ولمن يحاول افتراسها ، لذلك هي كل ما لـم يـخطـر في البـال ، لكـــونهـا خـــروجـاً علـى بـلادة الـحيـاة وأوابدها ، والإعتقـادات الميتة التي حنطها ديكتاتور سوريا والعصر حافظ الأسد كي تسحق الروح الادمية .

حين نصــادق على أنّ الـعـلــوم الـطـبيـعيـّـة والإنســانيـّـة ، مـازالـت حـتـّى الآن تـؤكـّـد صـحـّتهــا ، لا بـدّ لنا حينهـا أن نعتبـر التاريخ عـلـمــاً ، وليـس فلســفة . وهذا يعني أننا نستطيع فهمه من خلال معرفة قوانين حركته ، أو حـركة قوانينه . فكما للطبيعة علـم رياضي يـمكّنُنا من فهـم ديالكتيكهـا ، وميكانيكيتهـا ، فللتاريخ البشــري علــومه أيضـاً . ماأريد قوله هنــا هـو : أن الرؤية الرياضيـة التـي تقيــم علمهــا وفــق أســس الـمنطـق اليقينـي أو التوقعي الدقيق هــي في أســاس التطــور الإجتماعـي على كل الأصعــدة ؛ حـتـّى أنهـا قـد ذهبـتْ فـي العــلم العســكـري مثلاً إلـى مقــاربـة العــلـم بالغيــب : فطلقــة المدفــع التي تصـــيب هدفها اللامرئي وتدمّـره ، وكأنـما لـهـا عينــان ترى طــريقهــا ، وتصــل إلـى حيــث تــريد . ناهيك عن المراكـب الفضائيـّـة الـتـي وصـلــت مكـانها الـمحــدّد ، وفـي اللحظـة الـمقـرّرة لـها . الكثير من الـحقــائق تثـبـت أن مـهمّــة الـعلــم ، على مايبدو ، تـهــدف إلـى مــلاحـقــة إيقاع حـركة الحياة ، طبيعية كانت أم إنسانية ، بقصــد ضبط ذلـك الإيقـاع مـن خــلال فهمــه والســيطرة عليــه ، وتـخليصـه مـن المفاجآت اللامتوقعة فـي مساره . وقد حاول العلم الـريـاضــي ، أن يـُخضــع الـحـروب لمنطقــه الـصــارم ميكانيكياً (حسـب نيوتن) ، من أجل السيطره عليها ، وعلى تـحديد نتائجـهـا .. بالرغم من سطوة هذا العلم إلا أن هناك ما قد خرج عن تلك السطوة في الطبيعة وفي المجتمع . فالـطبيعــة مازالت تؤكد أنها لم تُضبط بعد تماماً , فالكـوارث والـبـراكيــن والزلازل علـى ســبيـل الـمثـال ، لـم ولا يستطيع أحــدٌ ، حـتـّى الآن ، تـوقّع حــدوثهـا ، وهــذا يـعنــي بـأنّ الـعـلــم عـجــز عـن أن يهيمــن علـى كل مايتحــرّك فـي الحيــاة .وحين فشل هـذا العلم بالإحاطة المعرفية لكل ماسيـحدث فـي الطبيعة . يمكننا أن نـقـرّر بـدايــة الحـروب ، لكننا لايمكن أن نعــرف مـتـى ، ولا كيفية ــ ونتائج نهايتها ؛ حتى أن هناك من ذهــب من العلماء إلـى الـقــول : أننا نعيش فـي عالـم غير متوقع . إذاً وبالتأكيد إن عــدم إمكـانيـّـة العــلـم بـكل ما يـحـدث مـن مستجـدات طبيعية مفاجئة ، بالـرغم من إسـتيعاب ميكانيكها وديالكتيكها ، يـعنـي بأنـّـه سـيكون أكثــر عـجــزاً فـي تنـاولـه الـمتغيـّـرات الإجـتمــاعيـّـه فـي العـالـم الإنسـانـي ، لأن الإنسان لا يـمكـن بـالـمطلــق تـحــديده ، ولا الـوقوف علـى سيرورته أو متــوقعـاتـه .فغضــب الطبيعــة ، وغضــب الشـعب ، بلغـة دينيـّـة ، هـمــا : مـن غضـب اللــه . لكن متى يصير ، وأين سـيبدأ وينتهي ، وكيف ..؟ هذا ما وقف العلم أمامه منذهلاً ، لأنه ببسـاطة ، يفتقد إلـى فهمهـا . وقد اتفــق غـالبيـّـة العلـمــاء علـى أنّ كــلّ مـا هــو غـــيـر متــوقّـع وغـــيـر مفهــوم ، نعــرّفـه بأنـّـه غيــر منتظــم ، ولا تضبــطـه قــوانيـن طبيعيـّـة أو إجـتمـاعيـّـة ، لكـنّـهـم رغـم ذلك فسـّـروه ، بـمـا هـو عليـه ، تـحــت إسـم نظــريـّـة الفـــوضى .

* كاتب سوري

By

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *